الإبادة السريانيّة "سيفو" 1915- 2015 الذكرى المئويّة الأولى
حياتهم سلطةً أو مجدًا باطلاً، وعلى الرّغم من ذلك لاقوا المآسي والويلات من ظلم وتهجير وإقصاء، وكانت مجازر الاحتلال العثمانيّ "سيفو" الّتي حلّتْ بهم أحد أقسى العذابات وأسوأ أنواع الإبادات التي تعرّضوا لها في التاريخ.
إنّها الذكرى المئويَّة الأولى على إبادة الشعب السريانيّ والّتي تعرّض لها آباؤنا في مطلع القرن العشرين، إذْ طالهم السيف فيما كانوا آمنين عزّلاً وأبرياء، ونال الظلم العثماني من ربع مليون سريانيّ، ناهيك بالأرمن والأشوريّين واليونانيّين.
مَن نجا منهم طرد من بيته وهُجّر من أرضه، وتاليًا صودرت ممتلكاتهم وأهينت كراماتهم وانتهكت أعراضهم، وفي معظم الأحيان أجبروا على ترك دينهم وإيمانهم "بالترهيب"، وحُوّلت كنائسهم إلى حظائر للحيوانات أو مطاعم أو معامل. وكلّ الهدف محو معالم الوجود المسيحيّ في المنطقة ووضع اليد على ممتلكات المسيحيّين وأوقافهم. وعلى هذا النحو، أضحينا أبناء الشهادة عن جدارة في هذا المشرق الذي بذلنا، "نحن السريان"، الكثير في سبيل نشر الحضارة فيه والثقافة والإيمان، لأنّنا شعب تميّز بالعِلم والرقيّ وصلابة العزيمة على الرّغم من المآسي الكثيرة الّتي أصابتنا. لذلك، عصرت أعاصير الاضطهادات الّتي جاءت من الدولة العثمانيّة ومن الشعب فشكّلت صفحات مؤلمة ومؤسفة من تاريخ الشعوب والمنطقة. واليوم، قرن كامل يمرّ على مجازر "سيفو" ولا تزال الجراح تنزف، والكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة أمام شهدائها تلتزم بمسؤوليّة الوقوف وقفة تاريخيّة لإيقاظ الضمائر القابعة في سبات عميق، وغير المدركة أنّ الساكت عن الحقّ شيطان أخرس ومشارك في الجريمة! "فالكنيسة أخذت على عاتقها واجب تذكير الإنسان بما هو وصمة عار، أو هو أقبح جريمة في القرن العشرين"، ولن تتلاشى هذه الإبادة من ذاكرة الإنسان ما دام يتوفّر عليها أوفياء يسلّطون الضوء ليفتحوا عيون عمياء وآذان صمّاء اضطرّتنا إلى أن نوقظها من حالة السبات والتناسي الّتي أغرقها بها المجتمع الدوليّ." بعد مائة عام، يستمرّ القتل والدمار يستهدف المسيحيّين من جديد، ولا مواثيق دوليّة أو اشتراعات تحمي حقوق الإنسان، بل لا فؤاد يدمع أو قلب يخشع. جرائم تضاهي الواحدة الأخرى بفظاعتها، واليوم ووفقًا لما ورد أعلاه من تكرار السيناريو الجديد وبالطريقة والأسلوب عينه، وفي ظلّ عدم اعتراف تركيّا بالحقوق الماديّة والقانونيّة تجاه ما ارتكبه العثمانيّون بحقّ الكنيسة السريانيّة، كلّ ذلك يساعد على شرذمة العلاقات بين المسيحيّين والمسلمين، لا بل يدعم ويعزّز سياسة التفرقة الّتي ستمتدّ لتشمل الطوائف المسلمة الأخرى. فما يحصل اليوم في سوريا والعراق هو بمنزلة "سيفو" جديد وضحيّته الإنسان، وأمام هذه المجازر الرهيبة بحق المسيحيّين نسأل: متى سيستيقظ المجتمع الدوليّ من غيبوبته وعاره؟
هل سيستفيق بعد اضمحلال حضارة الشرق الّتي تتمثّل بالوجود المسيحيّ؟
والجدير ذكره أنّ هذه الإبادة انعكستْ سلبًا على الشعب السرياني، إذْ راح ضحيّتها ما يقارب الربع مليون سريانيّ كما سبق أن أشرنا؛ أمّا الّذي بقي حيًّا فهاجر تاركًا قريته وموطن أجداده وآبائه وديره وكنيسته ووفد على مناطق أكثر أمنًا واستقرارًا، الأمر الّذي أوصل إلى إنهاء وجوده وزوال تاريخه من البقعة الجغرافيّة أو المحيط الّذي أبصر فيه النور وترعرع.
وأمام هذه الأسباب مجتمعةً ارتأت الكنيسة أن يحيي خلال عام 2015 ذكرى مئوية الإبادة "سيفو" والمجازر التي ارتكبت بحقّ أبنائها، وذلك من خلال إقامة الندوات والمحاضرات والمؤتمرات والمعارض الفنيّة والأمسيات المرنّمة، سواء أكان ذلك في بلدان الوطن أم في بلاد الانتشار، بغية تمجيد الربّ في أرضنا الّتي فيها زرعنا للإنسان مبادئ القيم والتعليم والرقيّ والحضارة، فلا نتخلّى إذ ذاك عن الإيمان الّذي تسلمناه طالما نؤمن بكلام ربّنا يسوع المسيح الّذي قال : "ثقوا! أنّي غَلَبْتُ العالم" وسيبقى المسيحيّون في هذا الشرق دعاة تسامح وسلام ومحبّة برغم كلّ ما مرّ بهم وما يمرّون به اليوم من اضطهاد وعذاب وتهجير. ومهما اشتدّ "السيفو الجديد" سيبقون ملحًا وخميرةً للأرض ونورًا للعالم، عاملين بقول القدّيس بولس الرسول: "مَن سيفصلنا عن محبّة المسيح، أشدّةٌ أم ضيقٌ أم اضطهادٌ أم جوعٌ أم عريٌ أم خطرٌ أم سيفٌ؟؟"
جوي حداد
رئيس هيئة التضامن السريانيّ الديمقراطيّ.
نائب رئيس الهيئة الشبابيّة الإسلاميّة – المسيحيّة للحوار.
مؤسّس وعضو في ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار.
أمين سرّ مؤتمر الأقلّيات.