النائب السابق الدكتور بيار عبده دكاش
النائب السابق الدكتور بيار عبده دكاش
هو أكبر من أن يُختَصَر في سطور أو كلمات، يعرف ماذا يريد، كيف يقيِّم، كيف يحلِّل متى يتكلّم وماذا يقول.
قبل أن تبدأ الكلام معه، يسبقك إلى الحديث، عبر قسماته وملامحه المعبّرة ونظراته الثاقبة التي تكفي وحدها لإفهامك أنّك قبالة رجل هو ركن من أركان الطبّ والسياسة في لبنان. في حديثه أناقة اختيار التعابير، والكلمات المناسبة، فيمرّ الوقت دون أن تشعر وأنت برفقة شخصيّة قلَّ نظيرها.
الصراحة والشفافيّة ميزتان أساسيّتان، تلخّض هذا الإنسان بالإضافة إلى انفتاحه على كافة الأفكار والاتجاهات السياسيّة.
الدكتور بيار دكاش القادم من زمن جميل نضمّه الى كتابنا بكلّ فخر واعتزاز كوجه من أهمّ وجوه لبنان وطبيب من كبار الأطباء الذين لو قُيِّض لهذا البلد أن يتسلّم رئاسته واحد مثله لعالج السياسة وأجرى لها عمليّة جراحيّة مستأصلًا منها كلّ المتطفّلين والعابثين بشؤون الوطن والمواطنين وكان لبنان في طليعة البلدان.
ولد الدكتور بيار دكاش في الحدث، بتاريخ 11 كانون الأول 1928، والدته ماري نمر يزبك الصايغ، ووالده الصيدليّ عبده ضومط الدكاش، رقم سجله 61 الحدث الشمالي. متأهّل من إبنة الزعيم الركن جوزف حرب السيّدة نورما جوزف حرب ولهما ولدان: ديان وجان- بيار.
تلقّى دروسه الابتدائيّة في مدرسة القلبين الأقدسين في الحدث، وفي مدرسة الضيعة " تحت السنديانة"، وفي مدرسة الشيّاح الابتدائيّة قبل انتقاله إلى المدرسة الابتدائيّة في الكليّة الثانويّة العامة في الجامعة الأميركيّة في بيروت حتّى إتمام الدروس الثانويّة انتقل بعدها إلى جامعة القديس يوسف.
حاز على شهادات عدّة منها تخصّصه دكتوراه دولة في الطبّ (1952)، من مكتب الطبّ الفرنسيّ (جامعة القديس يوسف) وأكمل تخصّصه في الجراحة العامة في جامعات بوسطن في الولايات المتّحدة الأميركيّة ومستشفياتها (1985)، إجازة في الفلسفة القديمة، وحائز على الدراسات العليا في علم الرياضيّات وعلم الفلك، والبيولوجيا، والفيزياء، ويحمل دكتوراه دولة في العلوم الاجتماعيّة.
أما في المجال الطبيّ، فهو رئيس لجنة أطبّاء مستشفى سانت تريز في الحدث سابقًا، وحاليًّا مديره الطبّيّ ورئيس قسم الجراحة فيه، وهو جرّاح في مستشفى قلب يسوع، وقد عمل في عدّة مستشفيات منها مار الياس بيروت شارع فرنسا، وسانت تريز- والسان جورج الحدث، والسان جورج عجلتون والسان لويس جونيه. وقد عرف عنه أن بابه مفتوح لكلّ زائر ليلًا نهارًا، ولكلّ طالب حاجة، وهو الذي أخذ عهدًا على نفسه أن يسأل المريض عن ألمه وليس عن ماله.
ترشّح للانتخابات النيابيّة عن دائرة قضاء بعبدا مرّتين: أوّل مرّة عام 1964 حيث ترشّح منفردًا بوجه كلّ التيّارات السياسيّة آنذاك، وحاز على 4683 صوتًا وعام 1968 ترشّح بوجه الحلف الثلاثي ضمن لائحة الكتلة الدستوريّة التي ضمّت إضافةً إلى الدكتور دكاش، الدكتور الياس الخوري، ميشال فرحات، خضر الحركة ونجيب صالحة (والجدير ذكره أنّه أثناء محادثات كان يجريها الدكتور دكاش مع الرئيس المرحوم كميل شمعون سأله هذا الأخير عن رأيه بالحلف الثلاثي فما كان من الدكتور دكاش إلّا أن أجابه بأنّ الحلف مارونيّ، وكم كان يتمنّى لو يكون وطنيًّا أي أن يضمّ شخصيّات من مختلف الطوائف ممّا أثار حفيظة الرئيس شمعون وجعله يتّخذ قرارًا بإبعاد الدكتور دكاش عن لائحة الحلف، ولكنّه استمرّ في ترشّحه ضمن لائحة الكتلة الدستوريّة ونال أصواتًا قريبة من عدد أصوات الحلف).
انتخب نائبًا للمرّة الأولى عن محافظة جبل لبنان قضاء بعبدا على لائحة حزب الوطنيّين الأحرار والكتائب، في الثامن من نيسان 1872 حيث فاز بتفوّق كبير (26081 صوتًا)، وقد كان ترشّحه بعد مناقشات طويلة أجراها مع الرئيس كميل شمعون الذي أُعجب جدًّا بأفكاره وآرائه واعترف بذكائه ومعرفته السياسيّة مردّدًا العبارة التالية (اللي عندو فكر مثلك يُقدّر ويُترك له الخيار) وبذلك سجّل الحدث النصر التاريخيّ المشرّف واستمرّ الدكتور دكاش نائبًا حتّى سنة 1992، بحكم قوانين التمديد للمجلس النيابيّ.
قاطع انتخابات سنة 1992، وأُعيدَ انتخابه في دورة سنة 1996 على لائحته الخاصة، وعام 2005 ترأّس لائحة التغيير والإصلاح ولم ينجح، ومن ثمّ فاز بالتزكية كمرشّح توافقيّ عن دائرة بعبدا- عاليه، في الانتخابات الفرعيّة في آذار سنة 2006 خلفًا للنائب المرحوم الدكتور إدمون نعيم بعد أن سعى لاستبعاد الانقسام المريع بين اللبنانيّين وخاصةً المسيحيّين وقيامه بزيارة كلّ القيادات الإسلاميّة والمسيحيّة وكان شديد الحرص على أن لا يميّز بين فريق وآخر بحيث، وبعد الاتصالات التي أجراها مساعدوه، زار أوّلاً من حدّد له موعدًا أوّلاً تحت شعار " إنّ أشرّ الخلاف هو الخلاف بين الأخوة" وبعد زيارة كلّ الزعماء تمّ الاتّفاق على أن يكون هو المرشّح التوافقيّ ممّا اعتبره فخرًا أو وسامًا يضعه على صدره.
في العام 2009 وبعد رفض أصحاب النفوذ يومها أن يكون على لائحة أيّ منهم لظروف خاصة ترشّح الدكتور دكاش مع رفيقه الأستاذ سعد سليم تحت شعار "إذا نجحت سوف يتكلّل رأسي بإكليل الغار وإذا رسبت يتكلّل بإكليل الشهادة" فالغاية من ترشّحه، وبالرغم من علمه المسبق أنّه لن ينجح إذا لم يكن على إحدى اللوائح المدعومة، هي الوقوف في وجه هذه اللوائح المركّبة وإلى الإيحاءات والأوامر الخارجيّة فقط انطلاقًا من موقف وطنيّ وليبرهن أنّه باستطاعة اللبنانيّ الأصيل أن يقول كلّا للمتسلّطين والنافذين وبالأخصّ الوقوف في وجه الاتّفاقات الخارجيّة التي تصبّ ضدّ المصلحة اللبنانيّة، من هنا كان ترشّحه إيمانًا منه بأنّ الأجيال المقبلة ستسأل يومًا عن رجالات الوطن الأحرار الذين لا يخضعون للذلّ والهوان، وهكذا وبالرغم من كلّ الظروف فقد نال عددًا لا يستهان به من الأصوات، ومن هذا المنطلق فهو لم يحتجّ على قرار أبناء منطقته لأنّه يعتبرهم مجبرين وانّ قرارهم ليس بيدهم لذلك هو غفر لهم انطلاقًا من أنّه يعتبر أنّهم أعفوه ولم ينصفوه لكنّه لا يحقد عليهم.
أمّا بالنسبة للانتخابات المقبلة فهو يخشى إذا ترشّح وعومل بنفس الطريقة أن لا يعد باستطاعته أن يغفر لهم لذلك يؤثر البقاء على محبّتهم والعلاقة الجيّدة معهم من هنا فهو يفكّر ألف مرّة قبل الترشّح. الدكتور دكاش شارك في اجتماعات النوّاب اللبنانيّين في الطائف وكان موقفه مميّزًا، ثمّ عاد إلى لبنان ولم يشارك في انتخابات رئاسة الجمهوريّة التي أوصلت الرئيس الراحل رينيه معوّض والرئيس الياس الهراوي إلى كرسيّ الرئاسة.
ترشّح لرئاسة الجمهورية بتاريخ 5/10/1995 تاريخ انتهاء الولاية الأولى للرئيس الهراوي، وقد سمّي بـــ"الفدائيّ الأوّل" الذي يعلن رسميّا ترشيحه لانتخابات الرئاسة لأنّه اخترق جدار الصمت والخوف الذي كان يلوذ به معظم السياسيّين، وردًّا على غبطة البطريرك صفير حين قال: "من يجرؤ على ترشيح نفسه للرئاسة"، وخصّه بتأييده وباركه أمام كلّ الجماهير المصلّين التي أمّت بكركي قائلًا: أمّا بالنسبة إلى ترشيح ابننا الدكتور بيار دكاش، فإنّنا معه لأنّه تجرّأ حيث لم يجرؤ الآخرون، وقد أعلن ترشيحه خلال مؤتمر صحافيّ عقده في مقرّ نقابة المحرّرين واستهلّه عضو النقابة الصحافيّ الأستاذ أنطوان الشدياق.
يرأس فخريًّا جمعيّة رسل قلب يسوع، ورئيس فخري لجمعيّة آل دكاش، وهو رئيس الجمعيّة الخيريّة لحماية الكفيف في لبنان، وكان عضوًا في "التجمّع للجمهوريّة" المعارض، والمنتدى القوميّ العربيّ، وأمين عام حركة لبنان الشباب ورئيس سابق لجمعيّة الصداقة اللبنانيّة – اليابانيّة، ورئيس سابق لروتاري كلوب المتن ومنسّق عام في الاتّحاد الدوليّ للسلام وحقوق الإنسان، كما شارك في أعمال اللجان النيابيّة فانتخب عضوًا في لجان: التربية الوطنيّة، الدفاع الوطنيّ، الصحّة العامة والشؤون الاجتماعيّة البرلمانيّة. كان عضوًا في المجلس الأعلى لحزب الوطنيّين الأحرار، وأمينه العام، رغم أنّه لم يكن محازبًا.
له عدّة محاضرات وندوات فكريّة وسياسيّة وطبّيّة وقد ترأس اللجنة السياسيّة في السينودوس.
يتّقن إلى جانب اللغة العربيّة اللغات الفرنسيّة والإنكليزيّة قراءةً وكتابةً ومحادثةً.
تمّ تكريمه من الرابطة الاجتماعيّة الخيريّة الثقافيّة الحدث، بعنوان "تكرّم كبيرًا من لبنان"، سعادة النائب الدكتور بيار عبده دكاش بتاريخ 9 حزيران 2006 في قصر الثقافة والمؤتمرات النقاش.
سعى للعمل على نقل المواطن من التقوقع الطائفيّ أو المذهبيّ إلى المواطنيّة الرحبة التي تتّسع للجميع، وكان قوله دائمًا للمواطنين: "بكلّ بساطة أنتم أخوة في الوطن، وأنتم مواطنون لبنانيّون قبل أيّ انتماء آخر". كما كان يعمل على إطلاق ثقافة وطنيّة تبني المواطنيّة الحقيقيّة، كما كان يؤكّد على نقاط الالتقاء بين الحضارات وإلى تطوير آليات الحوار بين الرسالات والأديان السماويّة الكبرى خاصةً المسيحيّة والإسلاميّة، ليس في لبنان وحسب بل في العالم العربيّ وعلى مستوى العالم كلّه، وكان يؤكّد على نقاط الالتقاء بين الحضارات.
دعا إلى حوار الحضارات مؤمنًا بلبنان الرسالة ومؤكّدًا على أنّ نجاح هذه التجربة في لبنان ستترك انعكاساتها الإيجابيّة على العالم كلّه.
من شعاراته الوطنيّة "لا للدويلات الطائفيّة"، "لا لدويلات المصالح الخاصة"، "لا للدولة المزرعة نعم لدولة لبنان الواحد، دولة العدل والقانون"، "لا نريد بيروت "هونغ كونغ" بل نريد استعادة الحريّة والسيادة والقرار"، "ليس بالدم المستعار تبنى الأوطان بل بدم أبناء الوطن الواحد الموحّد"، "الشعوب التي لا تحلم تموت"، "لا يدهشني كيف يموت الإنسان، بل يدهشني كيف يعيش ميتًا"، "المعارضة لا تعني الخلاف مع أهل الحكم والاعتدال لا يعني موالاتهم".
يتذكّر الدكتور بيار دكّاش بأنّ ذهابه يوميًّا من الحدث وفرن الشباك إلى المدرسة سيرًا على الأقدام، جعله يكتشف معاناة العمّال وقيمة تعبهم.
يرى بأنّ الوضع الصحّي في لبنان بحاجة إلى رعاية ويقول أيضًا: إنّ اتّفاق الطائف هو وثيقة الوفاق الوطنيّ، وهذا يعني أنّ الوفاق هو أساسه وغايته الأولى، وإن جميع بنوده تشكّل كلاًّ لا يتجزّأ، ولا يمكن الإخلال بأيّ منها تحت طائلة إبطالها جميعًا فالأحكام مترابطة والنصوص متكاملة، لأنّها تتمحور حول إرادة العيش المشترك ولا يحقّ لأيّ فريق أن يتفرّد، ويستأثر، ولا لأيّ فئة أن تُقصي أخرى ولا أحد يملك حقًّا حصريًّا لتصنيف المواطنين، لأنّ لا أحد يمكنه زعم امتلاك الحقيقة وحده، ولا فرض تطبيق مقاييسه الخاصة على سائر بني قومه، فأين نحن من هذه المبادئ والرؤية الإصلاحيّة.
يؤمن بلبنان وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه، ويبشّر بحقوق الإنسان، وبالمساواة والإنماء المتوازن، وبنصرة المرأة في كلّ المجالات، فهو رجل خدوم دائمًا دون منّة، فابتسامته لا تعرف الوهن والتعب، يعمل على التخفيف من مآسي العالم، يخفّف عنهم ويساعدهم حيث يغيب الآخرون، يحبّ الناس ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم دون أن ينسى دوره التشريعيّ المقدّس، فلا يتأخّر عن الوقوف في غرفة العمليّات ليزيح الوجع والموت، فتقدّم على سبيل المثال لا الحصر بمشروعين جبّارين ولا يزال يحلم بتحقيقهما منذ 1964 وهما أن يصبح لبنان المركز الطبّيّ الجراحيّ الأوّل في الشرق وأيضًا المركز الإعلاميّ الثقافيّ الأوّل في الشرق. كما اتبعهما بالعقد الاجتماعيّ بين الدولة والناس وذلك بتأمين مقعد لكلّ تلميذ وسرير لكلّ مريض وعمل لكلّ ناشط وضمان للأمومة والطفولة وضمان للشيخوخة وغيرها الكثير الكثير.
الدكتور بيار دكّاش رجل آمن بوطنه وسعى من موقعه إلى المساهمة في إنقاذ هذا الوطن والمحافظة على رسالته التاريخيّة، كبوّابة للشرق، ومهدًا للحضارات.
هو لبنانيّ بارز وعلامة فارقة على جبين الوطن، وأحد الرجالات الذين يصنعون بعقولهم أمجاد الوطن وحضارته.
(يراجع، وجوه لبنانيّة الجزء العاشر، إعداد الصحافيّة فريال خوري موسى، صفحة 126)