وسطاء لحل الخلاف بين إدارة المدرسة وتلامذتها!
وسطاء لحل الخلاف بين إدارة المدرسة وتلامذتها!
بما أن الوساطة أسلوب بديل لحل الخلافات، وتقنية متطورة في فن التواصل من خلال الحوار والخطاب اللاعنفي، دخل المركز "اللبناني للوساطة والتوفيق" LCMC منذ أشهر إلى عدد من المدارس الرسمية والخاصة لنشر مفهوم الوساطة وتعميم تقنيتها على تلامذة صفوف المرحلة الأساسية الذين خضعوا ولا يزالون لحصص تدريبية في جلسات تطبيقية من خلال اللعب...
لا شك في أنها خطوة جديدة وجيدة بالنسبة إلى المدارس بشكل عام. فكيف ينظر إليها مسؤولون في المدارس المعنية؟ مورين الحاج، المسؤولة عن مشروع "الوساطة المدرسية" في مدرسة "سيدة العطايا" للراهبات الأنطونيات- الدكوانة، ومُدرّسة مادة علوم الحياة فيها، تقول في حديث لـ"النهار": "لم نكن على اطلاع مسبق بتدريبات خاصة لها علاقة بحل النزاعات، لا سيما على مستوى تلامذة المدارس. لكن، وبعدما عرض علينا مركز "اللبناني للوساطة والتوفيق" استعداده تدريب التلامذة على هذا الموضوع، رحبنا بالمبادرة وخصصنا حصة في الأسبوع لهذه الغاية".
هكذا تمّ تدريب تلامذة صفوف المرحلة الأساسية على الوساطة من خلال اللعب والمشاركة في مجموعة من الألعاب في جلسات مكثّفة ساعدتهم في إبراز كل ما هو إيجابي في داخلهم، وفق الحاج، التي لمست، بعد خبرة طويلة في التعليم، أن "التلميذ عبر مشاركته الفعّالة مع زملائه في اللعب بات يصغي بسهولة إلى زميله ويحترم ما يقوله، علماً أننا كأساتذة نعمل باستمرار في هذا الإتجاه غير أننا لم نتوصل إلى النتيجة المرجوة وبالسرعة التي بلغناها مع مدرّبي المركز". وما لاحظَتْه أيضاً أن المدرّبين بوسائلهم الخاصة يوجهون التلامذة من خلال اللعب إلى المبادرة في حل أي نزاع قد يحصل في ما بينهم، من دون تدخل الأستاذ، وكذلك في تقويم أنفسهم بطريقة موضوعية، على أن يتوصل هؤلاء إلى كشف مهاراتهم والجوانب الإيجابية لديهم.
ورداً على سؤال توضح الحاج: "لا شك في أنه من خلال الجلسات يتشّجع التلميذ على التعبير بطريقته الخاصة، ما يجعل نمط تفكيره يتطوّر بعدما بدأ يستوعب فكرة الوساطة تدريجاً، لكن التغيير الجذري يحتاج إلى ممارسة عملانية مكثّفة ويتطلب وقتاً أكثر".
"الوساطة المدرسيّة مجتمع آخر"
وفي مداخلة لمؤسِسَة المركز "اللبناني للوساطة والتوفيق" ومديرته المحامية منى حنا، تشرح عبر "النهار"، أن مهمة المركز "نشر بذور هذه الثقافة وتعميم مفهوم الوساطة في مختلف القطاعات والنقابات والميادين". وترى أن المجتمع المدرسي قطاع مختلف "وجدت فيه الوساطة مساحة فعّالة بكل ما لذلك المجتمع من مكوّنات علمية، تربوية، تواصلية وعلائقية".
تُعنى الوساطة في القطاع المدرسي، كما توضح حنا "بحل كل خلاف، أو سوء تفاهم أو اختلاف في وجهات النظر ينشأ بين الإدارة والأساتذة، الإدارة والأهل، الأهل والأساتذة، التلامذة في ما بينهم، أو مع الإدارة أو الأساتذة"، وكل ما ينشأ من هذا القطاع، "لتشابك أغلب تلك العلاقات بعضها ببعض، وإن كان بظاهره سخيفاً، إلا أن تأثيره مباشر أو غير مباشر على التلميذ لما في العلاقات من تداخل مركّب ومؤثر".
وتشير إلى ما للوساطة المدرسية من خصوصيّة إضافية لأنّها تتمحور حول كل المكوّنات والتأثيرات التي تنعكس نتائجها على العلاقة مع الطفل، أو الولد أو المراهق، "وما تتطلبه هذه العلاقة من حيّز واسع من الانتباه والتيقّظ، نظراً لما يمكن أن تحمله معها من نتائج سلبيّة في حياة التلميذ الذي يشكّل مشروعاً واعداً لبناء المجتمع وتطويره، لذلك تأتي الوساطة المدرسية لتضفي واقعاً صحّياً علائقياً، فالأطفال والأولاد والمراهقين هم المستقبل، وإحاطتهم بجوّ سلمي ومريح هو أساس بناء مستقبل مثمر وإيجابي يحمل ثقافة الحوار وفهم الذات والآخر".
من هنا لا بدّ من إدخال تقنية الوساطة إلى المجتمع المدرسي من خلال شخص ثالث لديه معرفة وخبرة في معالجة الخلافات، "نظراً إلى الحاجة الماسّة لتلك الثقافة تخفيفاً للعنف المادي والمعنوي وإزالتهما، وتحويل المجتمع إلى مكان أكثر سلماً وقابلية للعيش السلمي"، وفق حنا. ومن أهم أوجه الوساطة في المجتمع المدرسي، في رأيها، تدريب التلامذة على تلك التقنية التي يطلق عليها وساطة الأقران أو الرفاق.
كيف تتم وساطة الأقران أو الرفاق(peer mediation) ؟ تجيب: "تقوم وساطة الأقران أو وساطة الرفاق على تدريب التلامذة على ثقافة العيش سوياً وفهم الذات، الحاجات والآخر، وتعريفهم إلى مفهوم الوساطة وتقنيتها كمرحلة أولى، ومن ثم تدريب مجموعة منهم كي يصبحوا وسطاء كمرحلة تدريبية ثانية". وقد تكون مهمّة الوسطاء أي التلامذة مرافقة رفاقهم التلامذة الذين هم في حالة خلاف أو تشنّج من خلال التقنيات التي اكتسبوها في الوساطة من أجل حل الخلافات في ما بينهم.
وتحدد حنا كيفية تعزيز تلك الثقافة السلمية كالآتي: تعزيز ثقاقة العيش سوياً وليس التعايش، تقبّل الآخر واحترام الغنى في الإختلاف، التعرّف إلى الذات والاتصال بالحاجات الحقيقية، الابتعاد من ردود الفعل الغرائزية، العمل ضمن مجموعة، تخفيف السخرية و"التنمير" وإزالتهما، تعزيز التعاطف والتآلف مع الآخر، وأخيراً خلق جوّ علائقي صحي دائم.
Twitter: @NicoleTohme
- نيكول طعمة
- المصدر: "النهار"
- 10 ايار 2017