التبويبات الأساسية

آخر غابة طبيعيّة قرب بيروت في خطر: أزمة السير في بعبدا تُهدِّد "خندق الرهبان" - مقالة للدكتور بول أبي راشد بتاريخ 5/1/ 2016

  • آخر غابة طبيعيّة قرب بيروت في خطر:  أزمة السير في بعبدا تُهدِّد "خندق الرهبان" - مقالة للدكتور بول أبي راشد بتاريخ 5/1/ 2016 -0
  • آخر غابة طبيعيّة قرب بيروت في خطر:  أزمة السير في بعبدا تُهدِّد "خندق الرهبان" - مقالة للدكتور بول أبي راشد بتاريخ 5/1/ 2016 -1
  • آخر غابة طبيعيّة قرب بيروت في خطر:  أزمة السير في بعبدا تُهدِّد "خندق الرهبان" - مقالة للدكتور بول أبي راشد بتاريخ 5/1/ 2016 -2
  • آخر غابة طبيعيّة قرب بيروت في خطر:  أزمة السير في بعبدا تُهدِّد "خندق الرهبان" - مقالة للدكتور بول أبي راشد بتاريخ 5/1/ 2016 -3
  • آخر غابة طبيعيّة قرب بيروت في خطر:  أزمة السير في بعبدا تُهدِّد "خندق الرهبان" - مقالة للدكتور بول أبي راشد بتاريخ 5/1/ 2016 -4

ولا تزال الجمعيّات البيئيّة تشنّ الحملة تلو الأخرى من أجل إبعاد كأس" الأوتوستراد العربيّ" عن الغابة الجميلة الّتي تطوّعت جمعيّة الأرض لبنان من أجل حمايتها ورعايتها لسنوات طويلة. ولقد واجهت الغابة خلال العام الماضي تحديّات كبيرة، إذ جرت محاولات لرمي النفايات فيها منذ بداية الأزمة في 17 تموز 2015 حتّى اليوم، لكنّ هذه المحاولات تمّ منعها. كما اندلع حريق كبير في الغابة بتاريخ 4 أيّار 2014 أتى على مساحات واسعة منها، ونتيجة سرعة الرياح وضعف إمكانات أجهزة الدفاع المدنيّ وفوج الإطفاء دفعت الغابة ثمنًا غاليًا، إذ إنّ أكثر من 80 بالمئة من الأشجار المعمّرة فيها احترقت بالكامل.

هل يجوز التضحية بما تبقّى من غابة "خندق الرهبان"، بناءً على اقتراح مهندس بتمرير طريق فرعيّ يصل بلدة بطشيه ببلدة بعبدا، للتخفيف من أزمة السير؟ في حين يُمكن حلّ هذه الأزمة بطرائق ووسائل أخرى.

 

هل يجوز أن يُصغي المسؤولون المعنيّون إلى تقنيّين في الهندسة ولا يسمعوا للخبراء الدّوليّين من أمثال الدكتور غسّان جرادي الّذي أعدّ دراسة متكاملة للغابة منذ العام ٢٠٠٨، وعلى أساسها تمّ وضع خطّة حماية لها، وتمّ افتتاحها كونها غابةً محميّة من القطاع الخاصّ، بحضور الأبّاتي العامّ للرهبنة الأنطونيّة، مالكة الأرض، ووزير الداخليّة زياد بارود، ونوّاب المنطقة وفعاليّاتها؟

كيف يجرؤ الإنسان أن يقضيَ على آخر بقعة خضراء قرب بيروت ببساطة وسهولة؟ تلك البقعة الّتي وصفها الإعلاميّ الفرنسيّ "نيكولا هولو" في أثناء زيارته لها في11  ايلول 2012 بأنّها من أجمل الغابات الّتي زارها، مُطلِقًا من الغابة دعوة إلى اللبنانيّين «لتأمُّل الطبيعة والتقرّب منها كخطوة أولى نحو صحوة الضمائر". وكانت وصيّة "هولو" إلى نشطاء البيئة في لبنان أنْ يعملوا على استقطاب المزيد من الناس إلى الطبيعة، "ولا وسيلة لذلك إلّا من خلال إبهارهم وإشعارهم بالسعادة". وبرأيه، إنّ غابة بعبدا هي نموذج فريد لإبهار الناس وجعلهم يتمسّكون بالطبيعة ويقتربون منها.

 

إنّ قانون حماية البيئة رقم 444 والمرسوم رقم 8633 "أصول تقويم الأثر البيئيّ" يفرضان إجراء دراسة تقويم أثر بيئيّ إلزاميّ لمشاريع إنشاء الطرق. فكيف لو كان المشروع المنويّ إنشاؤه في منطقة حسّاسة بيئيًّا كغابة "خندق الرهبان"؟ علمًا أنّ دراسة تقويم الأثر البيئيّ تستوجب مشاركة واستشارة العامّة من سكّان محليّين وجمعيّات وخبراء اختصاصيّين وكلّ المعنيّين بالمشروع. إنّ لهذا المشروع حكمًا بدائل أقلّ كلفةً وضررًا على البيئة، من هنا نُشجّع الطلّاب على اقتراح بدائل أقلّ ضررًا لحلّ أزمة السير من خلال المشاركة في مسابقة لإيجاد حلّ لأزمة السير في بلدة بعبدا من دون المسّ بغابة "خندق الرهبان".

إنّ خسارة غابة "خندق الرهبان" يعني خسارة ما تبقّى من أنواع الطيور الّتي ذكرت في المنشورات العلميّة خلال القرن الماضي في المدن والقرى الساحليّة، واختفت من هذه المناطق، ولكنّها لم تزل تُعشِّش وتتكاثر في غابة "خندق الرهبان" مثل الهدهد، والخضيري، والصلنج، والحسّون، وسنّ المنجل، وصقر العوسق.
 

يُعشِّعش الهدهد في الجبال العالية، ولكن غابة "خندق الرهبان" تجذبه لِيُعشِّش فيها، لأنّها تعتبر علميًّا غابة ناضجة ومستقرّة. إنّ تضاريس الغابة تجعل من تربة قعر الوادي تربة رطبة تستغلّها طيور السنونو من أجل بناء أعشاشها الطينيّة. وعليه، فإنّ هذه الخدمة الّتي يقدّمها الوادي تعود بالنفع على أهل المنطقة، لأنّ السنونو يأكل مقدار وزنه من الحشرات يوميًّا، لا سيّما البعوض أو البرغش الّذي يُقلق راحة السكان. وبذلك، فإنّ السنونو يُخفّف البرغش إلى 10% تقريبًا، بينما المبيدات السامّة للبرغش والإنسان فإنّها تخفّف البرغش إلى 27% فقط.

تضمّ الغابة 146 نوعًا من الطيور المهاجرة والمقيمة والمصيفة والمشتية (36% من طيور لبنان) على مساحة صغيرة نسبيًّا، وهذا ما يجعلها غابة مميّزة بسبب كونها تمثّل حالة متقوقعة ومقاومة من الماضي، الّذي تدهور بسبب العمران والممارسات غير المستدامة. فلولا أهميّة الغابة البيئيّة لما زارها هذا العدد الكبير من الطيور.

تضم الغابة تنوّعًا نباتيًّا (400 نوع من النبات) كبيرًا ولافتًا على رقعة صغيرة من الأرض، الأمر الّذي يجعل منها غابة نادرة من نوعها في حوض المتوسّط، مما يجعلها أشبه بحديقة نباتات طبيعيّة أو حديقة اختبارات علميّة بيئيّة يستفيد منها طلّاب الجامعات في البحث العلميّ وطلّاب المدارس في التربية البيئيّة.

تضم الغابة تنوّعًا حيوانيًّا (زواحف وبرمائيّات) عاليًا وغنيًّا بالأنواع المهدّدة بالانقراض أو المتفرّدة endemique  أيّ الّتي لا تُوجد سوى في لبنان. فالسلحفاة البرّية في الغابة هي من النوع المصنّف عالميًّا على لائحة الأنواع المهدّدة بالانقراض، وكذلك الحرباء والسلمندر؛ أمّا الضفدع الأخضر فهو متفرّد على مستوى منطقة شرق المتوسط.

إنّ استثمار هذه المحميّة يجب أن يكون مُتّسمًا بالاستدامة  durabilité بمعنى أنّ استخدام التنوّع البيولوجيّ ينبغي أن يتمّ بصورة حكيمة وصديقة للبيئة ومحافظة على مكوّنات المحميّة وخدماتها البيئيّة.

نعم، تُعتبر غابة "خندق الرهبان" بعبدا نقطة تنوّع بيولوجيّ ساخنة على المستوى الوطنيّ والإقليميّ، وغابة نادرة من نوعها في حوض المتوسّط". ومن هنا، نُناشد ضمير مَن بقي لديه ضمير بالسعي إلى توقيف كلّ مشاريع الطرق الّتي تُهدّد هذه الألماسة الخضراء، وأوّلها مشروع الأوتوستراد العربيّ الّذي سقط التخطيط المقام له بحكم انقضاء عشرين عامًا على إقراره. إنّ بقايا سكّة الحديد على أطراف "غابة الرهبان"، هي الشاهد الحيّ على أنّ أزمة السير في لبنان لا يُمكن حلّها بفتح المزيد من الطرقات وتوسيعها، بل باعتماد خطّة مستدامة للنقل تكون فيها وسائل النقل العامّة، لا سيّما القطارات والباصات الكبيرة ركيزة أساسيّة فيها. ومن دون ذلك فإنّ طرقات لبنان ستبقى مزدحمة وسيزيد ازدحامها مع ما يحمله ذلك من هدر للوقت والمال، وتلوّث سمعيّ وبصريّ، وتلوّث خطير للهواء، وبالتأكيد خسارة المساحات الخضراء وتدهور البيئة بفعل السياسات الخاطئة للنقل في لبنان منذ تسعينات القرن الماضي حتّى يومنا هذا، والّتي ربّما ستكون ضحيّتها الجديدة غابة "خندق الرهبان" في بعبدا.

 

ADMIN

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment