التبويبات الأساسية

الأحزاب السياسيّة في لبنان

الأحزاب السياسيّة في لبنان

الأحزاب السياسيّة

الحزب في تعريفهُ هو وسيط بين الشعب غير المنظّم والدولة. وهذا الوسيط يعمل امّا كقوّة من خارج المؤسّسات العامّة، المجلس النيابيّ أو الحكومة، وامّا من داخلها.

في لبنان، الأحزاب قديمة منذ العشرينات، وكثرت بعد الثلاثينات، ولكن لم تستطع أن تتحوّل إلى قوّة مؤثّرة تأثيرًا كبيرًا في الحياة السياسيّة خارج الحكم ولا داخلَه. لماذا؟ لأنّ عددًا كبيرًا منها كان يجسّد أمراض المجتمع، مثل الطائفيّة.

الأحزاب الطائفيّة لا يمكن أن تلعب دورًا وطنيًّا، لأنّها كانت ايديولوجيّة صارمة لا ترى الأمور من منظار واقعها، بل من منظار الايديولوجيا التي تحمل لواءها.

خارج هذه الأحزاب، نشأت أحزاب صغيرة لم تستطع أن تعمّر أمّا بسبب الحرب أو بسبب عدم قتاليّة أعضائها وقدرتهم على الصبر أو الانتظار. لذلك سقطت أثناء الحرب معظم الأحزاب، حتى الايديولوجيّة منها انحازت طائفيًّا مع قوى محاربة طائفيًّا وان لم تكن هي بذاتها طائفيّة، أو كانت أساسًا طائفيّة وسارت في خطّ محارب طائفيّ. لذاك عندما انتهت الحرب وعاد السلام نشعر كلّنا بغياب وجودها. هذا لا يعني أنّ الأحزاب ليست ضرورة، انّما يعني أنّ الضرورة هي لإعادة التفكير بكيفيّة إنشاء الأحزاب الجديدة مع عدم اقتناعي بإمكانيّة إحياء الأحزاب القديمة أو تجديد شبابها.

الأحزاب الجديدة الآن، لا تزال فكرة، ولم تصبح جنينًا في طور التكوين. الحياة الحزبيّة في لبنان الآن هي حاجة، لكنّها ليست موجودة. هل يعني ذلك أنّنا سنستمرّ في الحياة السياسيّة الفرديّة أو العائليّة أو المناطقيّة؟ موقّتاً، نعم سيبقى الأمر كذلك لفترة من الزمن. ولكن لا بدّ مع الوقت من أن تعود الحاجة ضاغطة وملحّة الى إنشاء الأحزاب. ونأمل أن يكون ذلك على يد الأجيال الجديدة التي ينبغي أن تتعلّم من فشل الأجيال السابقة، وتضع الأطر والقواعد الفكريّة والتنظيميّة اللّازمة لبناء قوى سياسيّة حزبيّة جديدة. وفي اعتقادي أنّ كلّ حزب يحتاج إلى ثلاثة عناصر: الفكر، البرنامج، التنظيم، الشباب الذين يدعون، وأنا أدعوهم، إلى التفكير الجديد في بناء قوى حزبيّة جديدة، عليهم أن يوفّروا هذه العناصر الثلاثة. وهذا الأمر يتطلّب وقتًا وقدرة على الجلد والصبر وقدرة على التنظيم وطول الأناة، إحدى المشاكل الأساسيّة التي كانت تعانيها الأحزاب انّها كانت مستعجلة ولم تصل أبدًا. اذ أنّ العجلة في هذا المضمار تعطي نتائج عكسيّة.

واذا كان الشباب سيتولوّن العمل الجزئي، فلا بدّ أن ينتظروا عشرة أو خمسة عشر عامًا قبل أن يقطفوا الثمار. أمّا اذا كانوا مستعجلين على قطاف الثمار، فسيفشلون كما فشل الآخرون.

في جهتي أؤمن بالحياة والحيويّة، وتجدّد الشعوب، اذ لا يمكن أن نسلّم بنهاية الحيويّة في أيّ شعب. يمكن أن نواجه في مرحلة ركود في حياة شعب، ولكن ليس نهاية الحيويّة في الشعب. لذلك أؤمن بأنّ يومًا سيأتي، وآمل ألّا يكون بعيدًا، وستدبّ الحيويّة السياسيّة في أوساط الشباب الذين سيتولّون زمام الأمور من خلال أحزاب وتكتلات.

لا ديموقراطيّة بدون حكم وقوى مواجهة للحكم، السلطة وعكس السلطة، عكس السلطة التي تسعى لأن تصبح سلطة. وأنا أستغرب ما يقوله البعض حول موضوع الديمقراطيّة حين يعتيرون أنّنا بحاجة إلى ديمقراطيّة بدون معارضة. والمعارضة لا تعني المعاداة والتخريب ودكّ الأسوار، بل تعني تهيئة البديل لمن لم ينجح في الحكم. كما أنّ على الحكومة أن تكون صاحبة مشروع، كذلك على المعارضة أن تكون صاحبة مشروع إذا فشلت القوى الحاكمة في مشروعها، وهذا هو الصراع الديمقراطيّ. 

وفي رأيي أنّ التغيّرات ليست لإلغاء الأحزاب، بل لإعادة النظر في كيفيّة عمل الأحزاب ودورها ورسالتها، اليوم دور الأحزاب مرتبط بحاجة المرحلة السياسيّة في الوطن الذي تعيش فيه. لنأخذ لبنان مثلاً. الهمّ الرئيسي اليوم هو همّ اقتصاديّ اجتماعيّ. على الأحزاب أن يكون دورها الرئيسيّ مواجهة هذه الحاجات والعمل في سبيل معالجتها. في وقت آخر ربما تكون هذه الحاجات تربويّة أو ثقافيّة أو سياسيّة خارجيّة. وبالتالي، فانّ العقابات التي نواجهها لا تؤدّي الى التنازل عن ضرورة الأحزاب بل إلى اعادة تأهيل العمل الحزبيّ.

وفي غياب الأحزاب، هناك التكتّل على الصعيد الشعبيّ أو على الصعيد النيابيّ. هذه التكتّلات تقوم أحيانًا مقام الأحزاب في نشاطها. وفي المرحلة الراهنة في لبنان، قد يكون التكتّل النيابيّ أو السياسيّ أو الشعبيّ هو المرحلة التمهيديّة لعودة الحياة الحزبيّة.

من جهتي، فأنا عضو في كتلة الانقاذ والتغيير النيابيّة التي تضمّ عشرة نواب، ونأمل أن يزيد عددنا. ونحن نعمل ليس بطريقة حزبيّة ولكن كقوّة سياسيّة متضامنة وضاغطة تريد أن تلعب دورها في الميدان السياسيّ، وأن تجعل المواطن أمام فسحات جديدة من الأمل، وليس أمام الباب الموصد في السياسة.

وقد كنّا في العام 1970 أنشأنا الحزب الديمقراطي، وكانت انطلاقة هذا الحزب الشاب الفتّي واعدة جدًّا. أوّلاً: فكريًّا، لأنّنا تبنّينا الفكر الذي يناسب خروج لبنان من مأزقه وتوحيد الشعب.كما أنّ الحزب تمكّن من أن ينطلق منذ الساعات الأولى في جوّ بعيد كليًّا عن الطائفيّة بتكوينه الاجتماعيّ والسياسيّ والفكري. كما أنّه كان منظّمًا بطريقة عصريّة. كان لدينا حكومة ظلّ ومجلس نيابيّ ظلّ. ولكن هذا الحزب الذي كان طريّ العود فوجئ بالحرب ولم يكن قادرًا على مواجهة السلاح والتكتّلات الطائفيّة بالّلاعنف وبالّلاطائفيّة. لذلك قضت عليه الحرب. ولو كانت الحرب أقصر مدى، لربما قدر على تجاوز المرحلة الصعبة. لكن في ثمانية عشر عامًا من الحرب لم يستطع أن يستمرّ.

(يراجع في ذلك كتابات جوزف مغيزل في النظام وفي الأحزاب وفي العلمانيّة والطائفيّة: الجزء الأول: ص 314)

                                                                                           

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment