التبويبات الأساسية

الحبّ وتأثيره على تربية أطفالنا

الحبّ وتأثيره على تربية أطفالنا

الحبّ وتأثيره على تربية أطفالنا

الأخصّائيّة التربويّة زينة حلبي الوزة

إنّ مرحلة الطفولة المبكرة على جانب خطير من الأهميّة٬ فركائز الشخصيّة تتحدّد أقسامها في تلك المرحلة٬ وتتبلور إلى حدٍّ كبيرٍ منها. ولا شكّ أنّ للأمّ وللأبّ ثأثيرًا قويًّا في حياة طفلهما٬ فالبيت هو المدرسة الأولى التي يتعلّم فيها الطفل مبادىء السلوكيّات بجانب ما تمدّه من عاطفة الحبّ والحنان والاهتمام.

إنّ المستودع العاطفيّ الذي تحدّثنا عنه سابقًا٬ هو عنصر أساسيّ٬ بل ورئيسيّ في تكوين هذه الشخصيّة السويّة٬ والمتّزنة التي يسعى كلّ أبّ وأمّ إلى إيجادها وتحقيقها في أبنائهم. ولأنّ حياة أبنائنا بهذا القدر من الخطورة والأهميّة بالنسبة لنا٬ وجب علينا أن نكون على قدر عال من الوعي والمحبّة حتّى نتحّسس ما هي اللغة التي نستطيع من خلالها التواصل معهم٬ وإيصال مقدار اهتمامنا بهم و محبّتنا لهم.

إنّ من تربية الأولاد هو أن نعرف طبيعتهم لكي لا نطلب ما هو ضدّ طبيعتهم أو ما يعوق إمكانيّاتهم. يعتمد كلّ شيء في تربية الأطفال على علاقة المحبّة بين الوالدين والطفل حيث أنّ لا شيء يتحقّق بشكل جيد إذا لم يس احتياج الطفل للمحبّة. فالطفل الذي يأخذ المحبّة والرعاية الكافية٬ هو الذي يحقّق النتائج المرجوّة. قد تحبّ أولادك٬ غير أنّهم إن لم يشعروا بهذه المحّبة أو إن لم تحدثهم بلغّتها التي تصل لهم فهم لن يشعروا بأنّهم محبوبين.

إنّ استعمالك لغة الحبّ الرئيسة عند طفلك لا يعني أنّ هذا الطفل لن يتمرّد لاحقًا٬ بل يعني أنّ طفلك سوف يدرك أنّك تحبّه٬ ممّا سيكفل له الرجاء والأمان. وهو الأمر الذي يساعدك في تربية طفلك ليصبح شخصًا مسؤولًا٬ فالمحبّة هي الأساس.

فعندما نتحدّث بلغة المحبّة الخاصّة بطفلك٬ فإنّك بذلك تملأ مستودعه العاطفيّ بالمحبّة٬ وحينما يشعر طفلك بالمحبّة٬ فإنّه يصبح أكثر تجاوبًا مع التأديب والتهذيب أكثر بكثير ممن كان مستودعهم العاطفيّ فارغًا.

يمتلك كلّ طفل مستودعًا عاطفيًّا. مكانًا للقوّة العاطفيّة يمدّه بالمؤونة في الأيّام العصيبة من فترة الطفولة والمراهقة. فكما أنّ مستودع الوقود يمدّ السيّارات بالطاقة٬ هكذا فإنّ المستودعات العاطفيّة لأطفالنا تمدّهم بالوقود. ونحن نحتاج أن نملأ المستودعات العاطفيّة لأولادنا بالمحبّة غير المشروطة٬ لأنّ المحبّة الحقيقيّة غير مقيّدة بالشروط والمحبّة غير المشروطة هي محبّة كاملة٬ تقبّل ودعم الطفل لذاته وليس لما يفعله أو يقدّمه.

والمحبّة غير المشروطة هي الوحيدة القادرة على منع مشاكل النقمة والشعور بالرفض والذنب والخوف وعدم الأمان من الظهور في حياة أطفالنا. ليس من الصواب إظهار محبّتنا لأطفالنا فقط عندما يكونون متفوّقين أو مميّزين٬  ولكن هناك حاجة ملحّة وضروريّة كي أقول لطفلي أنت مهم٬  ومحبوب بالنسبة لي بغضّ النظر عن مدى إنجازاتك٬ حتّى ولو أخفقت أو لم تنجز الكثير فأنت بالنسبة لي تعني الكثير٬  أنت بالنسبة لي أهمّ إنسان في هذا الوجود.

هذا بطبيعة الحال ليس فرط دلال زائد٬ ولا هو إفساد لسلوك الطفل "كما يقال"٬ ولكن هو إظهار تقدير لهذا الانسان٬ الذي خلقه الله٬ وأحبّه بهذه الصورة٬ بكلّ ما فيها من عيوب٬ وامتيازات٬ دون قيد أو شرط٬ ودوري أنا كأهل٬ وهبني الله هذه العطيّة وأودعها بين يديّ٬ أن أحافظ عليها٬ وأصونها٬ وأؤدّبها بكلّ حذر وعناية جسديًّا٬ ونفسيًّا لأنّه من منّة الله على الوالدين٬ هؤلاء الأطفال الذين يعطون لحياة الأهل معنى لوجودهم٬ ويجعلون تلك الحياة مميّزة ومثمرة٬ حينما يرون إنتاج تعبهم٬ أبناء أصحّاء نفسيًّا٬ وعقليًّا٬ وجسديًّا وتربويًّا. ومشبعين عاطفيًّا بالمحبّة. بحيث لا يضطرّون للبحث عن مصادر أخرى٬ لملء هذا الفراغ وقد تكون في أغلب الأحيان مصادر غير آمنة تربويًّا.

الطفل المبالغ في تدليله سوف يشعر أنه هبة لهذا العالم٬ وأنّ كل طلباته يجب أن تكون مُجابة٬ في الوقت الذي يعاني فيه طفل آخر من الشعور بالنقص٬ والدينونة لما يُبث على مسامعه من والديه٬ والمحيطين به٬ سواء أكان بصورة مباشرة٬ أو غير مباشرة٬ حتّى يصل للشعور أّنه غير جدير به أن يكون فردًا من أفراد هذا العالم٬ ولا يستحقّ شيئًا٬ حتّى أنّه قد يشعر في غالب الأحيان أنّه عبء على مجتمعه وقد جاء على هذا العالم "زيادة" وأنّه ليس له مكان فيه٬ وهذا الشعور غالبًا ما ينتج من الجملة الشهيرة التي يتفوّه بها الأهل على مسامع الطفل بقصد أو بغير قصد "جاء غلطة".

كما وأنّ المدح المتكرّر يشكّل خطرًا على حياة الطفل٬ إذ يتعوّد بعض الأطفال على هذا النوع من المدح٬ ويظنّون أنّه أمر طبيعيّ٬ ويتطلّعون إليه٬ ومتى وجدوا في مواقف لم ينالوا فيها المدح٬ فإنّهم يعتقدون أنّ هناك شيئًا خطأً فيهم وبالتالي يقلقون.

تصبح كلمات التشجيع ذات تأثير فعّال٬ حينما تركّز على مجهود معيّن قام به طفلك٬ والهدف هو أن تضبط طفلك وهو يصنع شيئًا جيّدًا ثم تمدحه عليه. نعم. يتطلّب الأمر مجهودًا أكبر من المجهود المبذول لضبط طفلك وهو يقوم بأشياء خاطئة وإدانته عليها٬ لكنّ النتيجة النهائيّة تستحقّ هذا المجهود: أيّ حصول الطفل على توجّه يرشده في نموّه الأخلاقيّ والتربويّ.

إنّ الأطفال الذين تتمثّل لغتهم الرئيسة عن المحبّة في كلمات التشجيع٬ لا يوجد شيء لديهم أكثر أهميّة من الشعور بمحبّة الوالدين والكبار الذين يعيشون بينهم٬ من خلال الكلمات التي تعبر عن ذلك. غير أنّ العكس أيضًا صحيح٬ فكلمات الإدانة تجرحهم بعمق. ورغم أنّ الكلمات النقديّة والقاسيّة مؤذية لكلّ الأطفال٬ إلّا أنّها ذات تأثيرات مدمّرة بصفة خاصة على الأطفال الذين يشعرون بالمحبّة من خلال كلمات التشجيع. وهم يردّدون تلك الكلمات في أذانهم لسنوات طويلة.

ولا ننسى أهميّة الوقت القيّم وهو تقديم حضور الوالدين كهديّة للطفل. فوجودنا بقربه يحمل إليه هذه الرسالة: "أنت مهمّ لي٬ وأنا أحبّ الوجود معك". إذ يُشعر في هذا الوقت الطفل بأنه أهمّ شخص في هذا الوجود عند والديه. فيحسّ بأنّه محبوب بصدق لأنّه يستأثر باهتمام والديه بالكامل.

إنّ العامل الأكثر أهمّية في الوقت القيّم ليس الحدث ذاته٬ بل كونكما تفعلان شيئًا معًا في صحبة أحدكما للآخر. لا يتطلّب الوقت القيّم الذهاب إلى مكان خاص. يمكنكم أن تعيروا الانتباه المركّز في كلّ مكان تقريباً وغالبًا ما تكون الأوقات التي تقضونها مع طفلكم في البيت هي أثمن الأوقات وأكثرها تأثيرًا على تنشئته.

إنّ الوقت القيّم ليس فقط لعمل الأنشطة الحركيّة معًا٬ بل أيضًا لكي تعرف طفلك بشكل أفضل. فعندما تقضي وقتًا مع طفلك٬ ستجد أنّ النتيجة الطبيعيّة في أغلب الأحيان هي الحديث الجيّد عن كل ّشيء يتعلّق بحياتكما.

عندما تقضي وقتًا مع أطفالك٬ أنت تخلق ذكريات تدوم مدى الحياة. ولا شكّ أنّك تسعد أطفالك بالذكريات التي يحملونها من السنوات التي قضوها معك في بيتك. سينعمون بذكريات سليمة ترفع عن روحهم المعنويّة حينما يبقى مستودعهم العاطفيّ مملوءًا. ودوركم أنتم الآباء أن تعطوا مثل هذه الذكريات السليمة التي ترفع من روحهم المعنويّة وتعيّنوا أطفالكم على ضمان الاتّزان والاستقرار مدى حياتهم.

( يراجع في ذلك مجلة فريال العدد 24 ص 57)

 

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment