التبويبات الأساسية

الديمقراطيّة قيمة عالميّة

الديمقراطيّة قيمة عالميّة

الديمقراطيّة قيمة عالميّة

الديمقراطيّة والأمم المتّحدة وحقوق الإنسان:

عندما صاغ الأعضاء المؤسّسون للأمم المتّحدة الميثاق لم يضمّنوه مفردة ’’ديمقراطيّة‘‘. ولم يكن هذا غريبًا. ففي عام 1945، لم تكن كلّ الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة تتبنّى الديمقراطيّة نظامًا سياسيًّا. ولاحقًا بذلت الأمم المتّحدة المزيد من الجهد لدعم الديمقراطيّة وتعزيزها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من تعزيز الحكم الرشيد، ومراقبة الانتخابات، ودعم المجتمع المدنيّ، وتعزيز المؤسّسات الديمقراطيّة والمساءلة، وضمان حقّ تقرير المصير في البلدان المستعمرة.

فالإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعيّة العامّة في عام 1948، يصوّر بوضوح مفهوم الديمقراطيّة، حيث يقول "إنّ إرادة الشعب أساس لسلطة الحكومة". ويبيّن الإعلان تلك الحقوق التي تعدّ ضروريّة من أجل الاضطلاع بمشاركة سياسيّة فعّالة. ومنذ اعتماد هذا الإعلان، يلاحظ إنّه كان بمثابة إلهام لواضعي الدساتير في كافة أنحاء العالم، كما أنه أسهم إسهامًا كبيرًا في تقبّل تقبّلًا شاملًا للديمقراطيّة بوصفها قيمة عالميّة.

والعهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة (1966) يُرسي القاعدة الأساسيّة لمبادئ الديمقراطيّة في إطار القانون الدوليّ، وهو ملزم لتلك الدول التي قامت بالتصديق عليه، وفي نيسان 2014، بلغ عدد الدول الأطراف في العهد 168، ممّا يناهز 85 في المائة من أعضاء الأمم المتّحدة.

والعهد المذكور يتضمّن بصفة خاصة:

  • حريّة التعبير (المادة 19)؛
  • الحقّ في التجمّع السلميّ (المادة 21)؛
  • الحقّ في حريّة تكوين الجمعيّات مع آخرين (المادة 22)؛
  • الحقّ في المشاركة في إدارة الشؤون العامة، سواء بطريقة مباشرة أم من خلال ممثّلين يختارون اختيارًا حرًّا، وفي الحصول على فرصة مناسبة للقيام بذلك (المادة 25)؛
  • الحقّ في أن يقوم بالانتخاب وبأن يكون هدفًا للانتخاب في انتخابات نزيهة تجرى دوليًّا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرّيّ، مع تضمّنها للتعبير الحرّ عن إرادة الناخبين (المادة 25).

كما تنصّ اتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، على الدول الأعضاء التي قامت بالتصديق عليها (189 في تموز 2015) ، تكفل المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، الحقّ في التصويت والترشيح في الانتخابات، والمشاركة في الحياة العامة وصنع القرار (المادة 7)، بما في ذلك على المستوى الدوليّ (المادة 8).

وقد اعتبرت الأمم المتّحدة إنّ الديمقراطيّة من الأسس التي تقوم عليها حقوق الانسان وضمّنت لهم الحقّ بالانتخابات ونزاهتها وشملت جميع أفراد الدولة بغضّ النظر عن عرقهم أو مستواهم الاقتصاديّ والاجتماعيّ أو جنسهم والمساواة بين الجميع في الحقوق مثل حقّ التعبير عن الآراء كما ضمنت حريّة الانتماء للأحزاب ووجود البرلمانات وفصل السلطات وأن يكون الأساس التي تبنى عليه الحكومة هو تنفيذ حاجات الشعب ورغباته بما لا يتعارض مع مصلحة البلاد.

وفي عام 2007، طلبت لجنة السياسات التابعة للأمين العام وهي أعلى هيئة لصنع القرار داخل الأمانة العامّة للأمم المتّحدة وضع استراتيجيّة على نطاق المنظّمة للتعريف بنهج الأمم المتّحدة لدعم الديمقراطيّة، معتمدة على ثلاثة الأركان الرئيسيّة لعمل الأمم المتّحدة وهي: السلام، والأمن والتنمية، وحقوق الإنسان. وكلّف الأمين العام الفريق العامل المعنيّ بالديمقراطيّة في اللجنة التنفيذيّة للسلام والأمن (التي أنشئت في أيار 2007) بمتابعة منتظمة لمسألة الديمقراطيّة ووضع الاستراتيجيّات على وجه الخصوص.

الديمقراطيّة قيمة عالميّة:

أصبحت الديمقراطيّة قيمة عالميّة تستند إلى إرادة الشعوب المعبّر عنها بحريّة في تحديد نظمها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. وقد شجّعت الجمعيّة العامّة في قرارها A/62/7 (2007) الحكومات على تعزيز البرامج الوطنيّة المكرّسة لتعزيز وتوطيد الديمقراطيّة، كما قرّرت الاحتفال في 15 أيلول من كلّ عام، اعتبارًا من دورتها الثانية والستين، باليوم الدوليّ للديمقراطيّة. كما حثّ القرار الدول الأعضاء والمنظمات الدوليّة والإقليميّة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ على الاحتفاء بهذه المناسبة ابتداءً من العام 2008، من خلال تسليط الضوء على واقع الديمقراطيّة في العالم، والسعي لمعالجة المعوقات المختلفة التي لا تزال تعترضها، وتمنع تعميمها وتشريعها لتصبح حقَّا ملزمًا ومعترفًا به من قبل جميع الحكومات والمجتمعات في العالم.

وانّ تحديد اليوم الدوليّ للديمقراطيّة هو مساحة للشعوب لتذكير الحكومات في كلّ مكان أنّ أحد سمات الديمقراطيّات الناجحة والمستقرّة هو وجود قويّ وحرّ للمجتمع المدنيّ، والعمل معًا من أجل تحقيق الأهداف المشتركة وبناء المجتمع السليم والمعافى. فالشعب يجب أن يكتب قوانينه أو يشارك في صياغتها كونه الميدان الذي تطبّق عليه، حتّى أنّ روسو عبّر عن هذه الفكرة بقوله: " الحياة السياسيّة المشتركة يجب أن تنظّم بطريقة يكون فيها باستطاعة متلقّي القانون السائد أن يشارك في سنّه"، ومن هذا المنطلق أتت المادة 6 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 واضحة في هذا الشأن: " إنّ القانون هو عبارة عن إرادة الجمهور. فلكلّ واحد من الجمهور أن يشترك في وضعه سواء كان ذلك الاشتراك بنفسه أو بواسطة نائب عنه. ويجب أن يكون هذا القانون واحدًا للجميع. أي انّ الجميع متساوون لديه. ولكلّ واحد منهم الحقّ في الوظائف والرتب بحسب استعداده ومقدرته ولا يجوز أن يُفضّل رجل على رجل في هذا الصدد إلّا بفضيلته ومعارفه". فالممثّلون الحقيقيّون للشعب هم الذين سيسنّون القوانين التي تعبّر عن المشيئة العامة، أمّا الذين جاؤوا عبر انتخابات صوريّة فلا يمكنهم سوى سنّ قوانين تعبّر عن مصالحهم الخاصّة لا أكثر.

 

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment