التبويبات الأساسية

الفساد تعريفه وأشكاله وأسبابه

الفساد تعريفه وأشكاله وأسبابه

 

الفساد

تعريف الفساد و أشكاله:

يمكن تعريف الفساد بأنّه سوء استخدام الوظيفة العامّة في شكل متعمّد من أجل تحقيق مكاسب شخصيّة أو منافع لمصلحة جهات مقرّبة على حساب المصلحة العامّة وحكم القانون في شكل يتنافى مع أنظمة العمل، والسلوك المهنيّ الصحيح والقيم الأخلاقيّة.

ويتّخذ الفساد أشكالاً عدّة، أبرزها:

1_ أ) قبول الموظّف مبلغًا ماليًّا معيّن يذهب إلى جيبه الخاص أو إلى جيوب أشخاص مقرّبين منه، أو لهديّةٍ قيّمة أو خدمة معيّنة، في مقابل مخالفة القوانين والأنظمة وإجراءات العمل المتّبعة أو تسريع تطبيقها أو تجاهلها، وهو ما اصطلح على تسميته بالرشوة، أو "البرطيل" أو "البخشيش". وهذا الشكل من أشكال الفساد ينشىء نوعًا من التواطوء بين الموظّف من جهة، والمواطن أو المؤسّسة التي تتعامل مع الموظّف المعني من جهة أخرى، ويحقّق كلا الطرفين من خلاله مصلحةً شخصيّة على حساب المصلحة العامة. (مثلاً : غضّ النظر عن حالات تهرّب الشركات الخاصة عن القيام بما يفرضه عليها القانون حيال سداد كلّ مستحقّاتها الضريبيّة وتسجيل العاملين لديها في الضمان الاجتماعيّ، أو حتّى ارشاد المؤسّسات إلى سبل القيام بهذا النوع من التهرّب).

ب) بناء شبكة على المصالح المتبادلة بين بعض السياسيّين الذين يحتلّون مواقع رئيسيّة في الحكم، وبين القياديّين والموظّفين الكبار في الإدارة العامّة ( وفي القطاع الخاص )، بحيث يقوم الإداريّون بتسهيل تقديم الخدمات لفئاتٍ مقرّبة من هؤلاء السياسيّين (مثل تسريع إعطاء رخص معيّنة من دون الحاجة إلى الانتظار لفترات طويلة، أو حتّى بيعها بسعرٍ مرتفع يتجاوز السقف المحّدد في القوانين والأنظمة) على حساب مبادىء المساواة والعدالة والحياديّة، في مقابل حصولهم على حماية سياسيّة لمراكزهم الوظيفيّة، أو على منافع تخدم طموحاتهم المهنيّة والشخصيّة كالترفّع إلى فئة أعلى، أو الحصول على ساعات عمل إضافيّة، أو التمتّع بمميّزات أخرى يفتقد إليها سواهم من الموظّفين كغضّ النظر عن تجاوز دوام العمل الرسميّ، إلى ما هناك من خدمات لا علاقة لها بمصلحة العمل.

ج) تفضيل شركات أو مؤسّسات معيّنة تشترك في عمليّات استدراج العروض لتلتزم مشاريع وخدمات تحتاج إليها الدول على حساب شركات أو مؤسّسات أخرى في مقابل حصول الموظّفين (و/أو المسؤولين السياسيّين) المعنيّين على مبالغ مالية أو خدمات معيّنة. رغم أنّ مصلحة الخزينة والمواطن على حدٍّ سواء لا تتأمّن من خلال هذا النوع من المتعهّدين الذين تكون عروضهم الماليّة والتقنيّة أغلى كلفة وأقل جودةً من عروض غيرهم.

د) تعيين أشخاص موالين لمواقع سياسيّة تتمتّع بالنفوذ والقدرة على التأثير من دون الاحتكام إلى نظام الجدارة الذي يضمن العدالة والمساواة في عمليّة التوظيف. فيتضرّر بذلك عدد كبير من المرشّحين المؤهّلين لتبوّؤ المراكز الوظيفيّة في القطاع العام، كذلك يتأثّر سلبًا أداء الإدارة العامّة نتيجة هذا النوع من التوظيف غير المجدي.

ه) إضافة أسماء عدد من الأشخاص إلى جداول الرواتب في بعض مؤسّسات الدولة لا يعمل أصحابها فعلًا في هذه المؤسّسات، بحيث تدفع الدولة مرتّبات هؤلاء "الموظّفين الوهميّين" الذين يحضرون فقط ليوم واحد في الشهر لقبضها، أو يتم تقاسمها مع أصحاب النفوذ في المؤسّسات المعنيّة.

و) إقرار السلطة السياسيّة قوانين وأنظمة جديدة، أو تعديل القوانين والأنظمة الحاليّة بحيث تستفيد منها جهات سياسيّة أو قطاعات محدّدة في مجتمع الأعمال على حساب المصلحة العامّة ومبادئ العدالة والمساواة والحياديّة. فتكون هذه القوانين والأنظمة مفصّلةً على قياس أطراف محظوظين دون سواهم ( مثل قوانين الانتخابات التي توصل طبقات سياسيّة معيّنة وتستبعد فئات أخرى، وقوانين حماية الوكالات الحصريّة التي تحدّ من المنافسة الاقتصاديّة، وغيرها).

أسباب الفساد

إنّ أسباب الفساد متنوّعة ومعقّدة نظرًا إلى تداخل النواحي الشخصيّة مع العوامل السياسيّة والإداريّة والاجتماعيّة والتربويّة والاقتصاديّة، وفيما يلي أبرزها:

2 _ أ) ضعف الانتماء إلى الدولة الذي يجعل من المصلحة الخاصة والأطماع الشخصيّة والذهنيّة التي تتوخّى الربح الطائل والعاجل تتقدّم على المصلحة العامة دونما اعتبار للانعكاسات السلبيّة المتوسّطة والبعيدة المدى التي سيؤدّي إليها هذا السلوك على المجتمع، بل وعلى الشخص نفسه. فالتربية المدنيّة التي تسعى إلى تنمية الحسّ الوطنيّ، والشعور بالمسؤوليّة، وترسيخ مفهوم دولة القانون لم تأخذ بعد المكانة التي تستحقّها ضمن المناهج التربويّة.

ب) طبيعة النظام السياسيّ والاجتماعيّ الذي يؤسّس لنمط مشوّه من العلاقات بين المواطن اللبنانيّ والسياسيّين يتّصف بالزبائنيّة والمصالح المتبادلة. فقد استعيض عن مبدأ الانتماء إلى الدولة بمنطق الولاء للزعماء السياسيّين. فتنشأ حلقة مترابطة من الخدمات المتبادلة، بحيث يقابل ولاء المواطن لطرفٍ سياسيّ قبل، وخلال، وبعد الانتخابات بخدمة معيّنة يوفّرها الزعيم الذي يتمتّع بالسلطة والمال وشبكة واسعة من العلاقات. وتشجّع الثغرات الكثيرة التي تعتري قوانين الانتخابات قيام هذا النوع من العلاقات تضاف إليها النزعة المناطقيّة و المذهبيّة والعائليّة السائدة في المجتمع.

ج) التدخّل السياسيّ المتمادي في الإدارات والمؤسّسات العامة التي تحوّلت، الى حدٍّ لا يستهان به، مواقع مستباحة لا تحصّنها القوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء، بل تحوّلت أدواتٍ في يد بعض الزعامات السياسيّة لزيادة نفوذهم وثرواتهم، وتأمين محميّاتٍ لمن يناصرهم الولاء.

د) عدم قيام إدارةٍ عاملة فاعلة موجّهة مباشرةً نحو خدمة المواطن. إذ لا تزال إدارات الدولة ومؤسّساتها تعاني مشكلات كبيرة تطاول هيكليّتها التنظيميّة، وإجراءات العمل فيها، والموارد البشريّة والماليّة والتقنيّة المتوافرة، ممّا يفتح المجال في شكلٍ مباشر أو غير مباشر لمضاعفة حالات الفساد الإداريّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ إجراءات العمل المعقدّة في الإدارة العامّة تستغلّ من قبل السياسيّين والإداريّين لترسيخ سلطتهم على المواطنين وجعلهم في موقع المحتاج دائمًا إلى مداخلات سياسيّة و شخصيّة لتسهيل إنجاز معاملاتهم مع الوزارات والمؤسّسات العامة. فتحوّلت الإجراءات المرهقة مادةٍ مغرية لابتزاز المواطن ورفع سعر الخدمة.

ه) ضعف أجهزة الرقابة على الإدارات والمؤسّسات العامة التي تحتاج إلى تفعيل عملها وتحصينها ضدّ التدخّلات السياسيّة واحترام موقعها كمؤسّسات ترصد في شكل دائم انتظام العمل الإداريّ، وتؤمّن مساءلة المدراء والموظّفين في القطاع العام على أداء مؤسّساتهم، وتتحقّق من خلوّ الإدارة من الانتهاكات التي تحصل للقوانين والأنظمة التي ترعى الوظيفة العامّة وتردع المخالفين منهم، وتقترح إزالة الشوائب التي تعوق الأداء الإداريّ.

و) ضعف الرقابة على أداء القطاع الخاصّ، وفق ما تقتضيه التشريعات القائمة، بغية التحقيق من احترامه لعقود العمل وشروطه، وقوانينه و أنظمته، أكان ذلك بالنسبة الى القطاعات التي تمّ تلزيمها من أجل مزيدٍ من الفعاليّة وتخفيفًا من أعباء العمل التي تقع على كاهل إدارات الدولة ومؤسّساتها، أو بالنسبة إلى المؤسّسات الخاصّة الناشطة في السوق اللبنانيّة.

ز) عدم الفصل الكامل بين السلطات، كما يقضي بذلك دستور الجمهوريّة اللبنانيّة، ولا سيّما حيال احترام استقلاليّة القضاء وتحييده عن المداخلات والصراعات السياسيّة، إضافةً إلى النقص في إعداد القضاة وبطء العمل في المحاكم، ممّا يضعف النظام القضائيّ الذي لا بدّ من وجوده لمكافحة الفساد وتعقّب مرتكبيه.

ح) الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي تشكّل ذريعة لأصحاب النفوس الضعيفة لتحقيق الإثراء غير المشروع في ظلّ عدم تلبية الرواتب التي تدفعها الدولة الى موظّفيها بسبب متطلّبات الحياة اللائقة لهم ولعائلاتهم وحاجيّاتهم.

ط) ضعف ثقة المواطنين بدولتهم حيال جدّيتها في التعامل مع الفساد المستشري في مؤسّساتها، وشعور الكثير منهم بأنّ أي محاولةٍ للإبلاغ عن وقائع متّصلة بالفساد الإداريّ وسوء الإدارة لن تصل إلى النتيجة المرجوّة، بل وقد ترتدّ عليهم سلبًا. فيرضخون لما يعتبرونه "أمرًا واقعًا" يفضّلون التعايش معه، ممّا ينمّي لديهم إحساسًا باللامبالاة ويؤدّي تاليًا إلى مزيدٍ من السلبيّة في التعاطي مع الإدارات والمؤسّسات العامّة.

ي) ضعف الإعلام الإداريّ الذي يسهم في تسليط الضوء على القضايا الحياتيّة التي تهمّ المواطنين والمرتبطة في شكل جوهريّ بعمل إدارات الدولة ومؤسّساتها. اذ أنّ الإدارة العامّة لا تستثمر في مجال الإعلام الإداريّ بالقدر الكافي للمساعدة على ردم الهوّة بينها وبين المواطنين. كما أنّ المؤسّسات الإعلاميّة اللبنانيّة تتعامل في كثير من الأحيان مع ملفّات الفساد وفق مزاج الجهات السياسيّة التي تملكها أو المتحالفة معها من دون الالتزام بالموضوعيّة والحياديّة اللتين تتطلّبهما المصلحة العامّة.

ق) مخلّفات الحرب اللبنانيّة بين عامي 1975 و1990، والتأثيرات السلبيّة للتدخّلات الخارجيّة في الشأن اللبنانيّ الداخليّ في السنوات التي تلت الحرب والتي فاقمت من حدّة تسييس الإدارة واستخدامها كوسيلة للإثراء غير المشروع في ظلّ تأسيس شبكة مصالح متداخلة بين طبقات من السلطة السياسيّة والامنيّة و المؤسّسات الإداريّة، تحميها جهات خارجيّة فرضت نفسها على البلاد بمنطق القوّة والترغيب والترهيب فرسخّت مواقع نفوذها وعمّمت ذهنيّتها على الأوساط السياسيّة والإداريّة والشعبيّة.

( يراجع في ذلك، مشروع الإعلام والشباب: مهنيّة ومسؤوليّة، الدليل إلى المفاهيم العصريّة للحكم الصالح، ص 86)

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment