التبويبات الأساسية

تاريخ دير مارت تقلا الشبانيّة

تاريخ دير مارت تقلا الشبانيّة

       ولد ضاهر سنة 1820 في الشبانيّة ودخل الدير سنة 1840 _ الدير هو دير مار موسى الدوّار الذي كان في ذلك الوقت دير الابتداء للرهبان وكان في ذلك التاريخ الطوباويّ نعمة الله الحرديني مدبّرًا في الرهبنة اللبنانيّة ومسؤولًا عن الأخوة اللاهوتيّين بحسب المراجع الرسميّة ومركزه دير كفيفان، وهذا ما يفسّر بعض الأقوال والشائعات أن الأب فرنسيس هو من رفاق الطوباويّ نعمة الله الحردينيّ _، وسيم كاهنًا بوضع يد المثلث الرحمات المطران طوبيّا عون سنة 1846 _ 1847 على مذبح مار موسى الدوّار. توفاه الله سنة 1902 عن إثنين وثمانين سنة أمضى منها في دير مار تقلا ما يقارب ال 47 سنة.

       أذاً الأب فرنسيس هو أحد الابناء الثلاثة ليوسف عبده موسى أبو رعد، وهم كما ذكرنا ضاهر أيّ الأب فرنسيس وموسى شاهين.

       كان يوسف من الملّاكين الكبار ومن أصحاب المال والجاه حيث أمّن لعائلته التعليم ولأحفاده التعليم العالي فأصبح عبده إبن موسى طبيبًا وتوفيق إبن شاهين صيدلانيًّا. كما أورثهم أملاكًا كثيرة تمّ وقف كثير منها للأديان.   

       عاد الأب فرنسيس بعد موافقة رؤسائه إلى الشبانيّة، هدفه بناء دير على أرض خاصّة به، وهبها فيما بعد إلى الرهبانيّة، وكانت هذه الأرض كبيرة جدًّا تمتدّ من الدير الحالي لناحية الغرب وكان له ما أراد، فأشاد عليها بناءً مؤلّفًا من غرفتين إلى جانبهما كنيسة على إسم القدّيسة تقلا، وطابق أرضيّ للمؤونة والخمور وإيواء بعض الحيوانات.

       وقد جعل الأب فرنسيس من هذا الدير مرجعًا للفقراء والمعوزين وطالبي المشورة، ومركزًا لتعليم أولاد القرية مبادئ الدروس السريانيّة والعربيّة وخدمة القدّاس. كما كان يتردّد على هذا الدير من حين إلى آخر القدّيسة رفقا _ بين العام 1860 و 1862 عندما كانت لا تزال في عداد جمعيّة المريمات ويرجّح أنّها كانت تأتي إلى الشبانيّة من بكفيّا _ حيث كانت تجتمع إلى البنات اللواتي كنّ يعملن في معمل الحرير (الكرخانة) لتعليمهنّ الخياطة والحياكة.

       توفّي الأب فرنسيس عام 1902 عن إثنين وثمانين عامًا بعد أن أمضى في مارت تقلا ما يقارب ال 47 سنة ودفن فيها في الركن الشمالي من الكنيسة أمام المذبح الذي كان لجهة الشرق وكان قد سبق دفن أبيه وأمّه في الأرض على بعد عدّة أمتر من الدير لجهة الشمال وذلك عن تاريخ العائلة.

       على اثر وفاة الأب فرنسيس ودفنه توقّفت الحركة في دير مارت تقلا وتعذّر على الرهبنة لأسباب يُقدّر أنّها أمنيّة من متابعة ما قام به رغم المحاولات التي باءت بالفشل لإرسال من يتسلّم الدير، عندها باشرت الرهبنة ببيع الأملاك بداعي التصفية.

 

 

جمعيّة اتّحاد الشبيبة:

       تأسّست في الشبانيّة عام 1912 جمعيّة باسم " جمعيّة إتّحاد الشبيبة" برئاسة الدكتور إلياس بعقليني ومن أعضائها السادة: شاهين وإبراهيم وأفرام سركيس، عيد ويوسف بعقليني، منصور وشكيب وكليم رعد، حنّا طانوس غانم رعد، جريس إبراهيم رعد، يوسف وكريم رعد، عسّاف شاهين معضاد وإبنه نعيم، مجيد سليمان وديع علي وغيرهم ... .

       أوّل عمل كبير قامت به هذه الجمعيّة تأسيس مدرسة إبتدائيّة لأبناء البلدة مركزها الميدان تجاه كنيسة السيدة ملك بشارة القرداحي عام 1922.

       في تلك الساحة اجتمع أعضاء الجمعيّة وأهالي البلدة لاستقبال الجنرال الفرنسيّ غورو تحفّ به  ثلّة من الجنود لترؤّس حفل الافتتاح ووضع الحجر التذكاريّ على مدخل المدرسة.

       بوشر التدريس في السنة الأولى مع الأساتذة عبده نجم يمين وإميل حاتم من حمّانا، ولم تمض السنة الثانية على الافتتاح حتّى علمت الجمعيّة بقيام الرهبنة اللبنانيّة ببيع أملاك دير مارت تقلا، فاجتمع الأعضاء وتمّ الاتّفاق على شراء الدير وما تبقى من أملاك حوله.

       وبعد إجراء إتّصالات سريعة مع الرئيس العام للرهبنة في حينه الأبّاتي تنّوري من قبل الدكتور بعقليني رئيس الجمعيّة تمّت عمليّة الشراء، وأصبح الدير بكامل بنائه المتواضع ملكًا لها. وعلى الفور بوشر ببعض الإصلاحات الضروريّة ليتناسب البناء مع متطلّبات الوضع الجديد فنقل مذبح الكنيسة إلى الجهة الغربيّة وتمّ فتح الباب العائد لها من الجهة الشرقيّة بحيث أصبح مدخل المبنى الرئيس للمدرسة قرب مدخل الكنيسة والدخل الريس للمدرسة، ومن حينه بدا التدريس في هذا المكان وكان ذلك عام 1922 _ وبعد مدّة وجيزة وبسبب إقبال التلاميذ اضطرّت الجمعيّة إلى توسيع البناء وتمّ نقل المنيسة إلى الطابق الأرضي ليحلّ مكانها صالة دوروس كما تمّ استحداث غرفة ثالثة إلى جانب الغرفتين القديمتين.

       لم يمضِ وقت طويل على هذا الترتيب حتّى أخذت صورة القدّيسة تقلا الموجودة في الكنيسة تظهر على قناطر غرف الطابق العلويّ المحازي للكنيسة القديمة، وذلك على عدد من المرّات وكان الاهالي يرونها من الميدان بوضوح وإنّ بعضهم ما زال حيًّا حتّى الآن. ولم يتوقّف هذا الظهور على مرأى من المسيحيّين فقط بل تعدّاه إلى سواهم كالمرحوم فؤاد طربيه والد اللواء منير طربيه رئيس الأركان السابق للجيش اللبنانيّ الذي لفت النظر في أحد المرّات إلى هذا الظهور.

       وبعد تكرار هذا الحدث استنتج الأهالي بأنّ مارت تقلا بظهورها المتتالي في الطابق العالي لا تريد أن تكون كنيستها تحت الأرض مكان مستودع المؤونة، فطالبوا بإعادتها إلى مكانها وهكذا كان، وفي حينه لم يعد الظهور موجودًا.

 

المدرّسون الذين توالوا على التعليم في المدرسة:

       أوّل المدرّسين في مدرسة مارت تقلا وفي السنة الأولى من افتتاحها هما الاستاذان عبدو نجم يمين وإميل حاتم اللذان انتقلا إليها من مدرسة الميدان، وفي السنة التالية ولمدّة أربع سنوات تقريبًا المعلّم بطرس رعد، وفي هذا الوقت إتّفقت الجمعيّة مع الرهبنة اللبنانيّة لفصل راهب وإلحاقه بالمدرسة يقيم فيها ويساعد في الإدارة ويقوم بتعليم الدين والسريانيّة فتجاوبت الرهبنة مع الطلب وكان القسّ عمّانوئيل غسطين أوّل من سكن الدير بعد الراهب فرنسيس رعد وخلفه في هذه المهمّة على التوالي الأب باسيل وبعده الأب طوبيا.    

       أمّا المعلّم بطرس رعد فقد خلفه الأستاذ سند الرامي من فالوغا في إدارة المدرسة وكان يقيم شتاءً في منزل الدمتور بعقليني في الشحاره وياتي صباح كلّ يوم إلى المدرسة ممتطيًا جواده.

       ولمــّا لم تتمكّن الجمعيّة من تأمين معاشات المعلّمين من أقساط التلامذة خاصّة أؤلئك الذين كان أباؤهم أعضاء في الجمعيّة إذ كان يستوفى منهم أقساط رمزيّة مما اضطرّ الجمعيّة إلى الحاق المدرسة بالمعارف.

       لم يتمكّن التلامذة من التحصيل والاستيعاب بسبب التغييرات التي كانت تحدث خلال السنة الدراسيّة الواحدة إن من ناحية المدرّسين أو البرامج، وبقيت المدرسة على هذه الحال ما بين السنة وثماني سنوات تتقدّم حينًا وتتأخّر أحيانًا رهنًا بكفاءة وجدارة الاستاذ وثباته في المدرسة.

       ولمــّا لم تكن الطريقة ناجحة لتقدّم التلاميذ، قرّرت الجمعيّة إعادة المدرسة إلى وصايتها، وكلّفت مدرّستين هما ماري وأوجيني للتدريس فيها وبعدهما ولمدّة لا تقلّ عن ست سنوات كلّ من المدرّسين عبده نجم يمّين، يمين نجم يمّين، وإيليّا حنّا رعد الذين اعتمدوا برنامج مدرسة الحكمة في بيروت ورغبة بأن تكون تربية أولاد البلدة على يد راهبات، وبعد اتّصالات قامت بها الجمعيّة تمّ الإتّفاق على أن تتسلّم المدرسة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات (راهبات عبرين)، وكان ذلك عام 1938 _ 1939، وكانت أوّل راهبتين مسؤولتين هما الأخت زيارة أبي صعب والأخت روزيت وقد استأجرت الجمعيّة لهما بيت إلياس أبو نعوم بعقليني تجاه كنيسة مار إلياس لمدّة سنتين ريثما يتمّ البناء المزمع تشييده لسكنهما فوق الكنيسة الحالية.

       استمرّ وجود راهبات عبرين في المدرسة ما يقارب الثماني سنوات، ظهر في السنتين الأخيرتين منهما امتعاض الراهبات من وجود الاختلاط في المدرسة، وطلبن من الجمعيّة فصل التلامذة من صبيان وبنات كلّ غلى جهة.

       تعاقدت الجمعيّة مع الاستاذ يوسف جرجورة سركيس ليتسلّم مسؤولية وإدارة صفوف السابع والسادس تكميليّ الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و13 سنة، أمّا قسم البنات والصبية الصغار فالحقوا بإدارة الراهبات، وهكذا بدأ التدريس الجدّيّ خاصّة في الصفوف الكبرى حيث أصبح كلّ ناجح في صفّه يُرقى إلى صف أعلى سنة بعد سنة.

       لم يمضِ وقت طويل حتّى عادت الشكوى من الراهبات على أساس أنّ التلامذة يلعبون مع بعضهم أثناء الفرص، وطلبوا فصل الملعب بواسطة حائط فيكون عندها لكلّ من الصبيان والبنات ملعبهم الخاصّ، والاعتقاد في حينه أنّها كانت حجّة تذرّعت الراهبات لترك المدرسة، فاستعيض عنهن بالراهبات الأنطوانيّات اللواتي لم يستمرّ وجودهنّ في المدرسة أكثر من سنتين أو ثلاث، تسلّم بعدها الاستاذ يوسف سركيس إدارة المدرسة بكامل صفوفها وقد استعان بعدد من المدرّسين والمدرّسات من بينهم الأب أنطوان أبي يونس الذي أحضر معه مدرّستين من حمّانا وكذلك أنطوان يوسف بعقليني وشقيقته هدى والسيّدة إميلي قشعمي زوجة الاستاذ يوسف جرجورة سركيس.

       أخذت سمعة المدرسة ترتفع نتيجة للنجاحات العلميّة التي تحقّقت وكثر عدد التلاميذ وانهالت العروض على الأستاذ يوسف سركيس لتسلّم عدد من المدارس المجاورة منها مدرسة أوليفار في رأس المتن التي عرض أصحابها عليه مبلغًا لا يستهان به، فلم يقبل وفضّل البقاء في قريته وبين أهله وتلاميذه إلى أن امضى فترة سبعة عشر عامًا، استقال بعدها من مهنة التدريس وألحق كموظّف في ملاك وزارة الأنباء.

 

راهبات سانت زيتا

       وافقت راهبات "سانت زيتا" الإيطاليّات على تسلّم الدير وإدارة المدرسة، وبعد المباشرة وبمساعدة الرئيس الياس سركيس تمّت الموافقة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعيّة (مصلحة الانعاش الاجتماعيّ) على تقديم قرض ماليّ لإقامة مبنى حديث إلى الجهة الغربيّة من البناء القائم يستعمل كمدرسة مهنيّة. تمّ ذلك بموافقة الجمعيّة التي ما لبثت أن تنازلت عن ملكيّة الدير والمدرسة لصالح الرهبة المذكورة لمتابعة أعمالها.

       أُنشئ المبنى الجديد وبوشر بإتمام التمديدات الداخليّة من شوفاج ومغاسل وتمديدات المختبر عندما بدأت الحرب الأهليّة في لبنان عام 1975.

       أمـّا الدير فقد نهب أثناء الحرب وسرقت أبوابه وشبابيكه والتمديدات العائدة للشوفاج والمختبر في البناء الجديد، وتمّ تحصينه بالرمل وسدّت نوافذه بالباطون واستعمل كمركز عسكريّ وكمستودع ذخيرة بما في ذلك الكنيسة التي فكّ بابها وأنزلت صورة القدّيسة تقلا وهدم المذبح وسدّ بابها الرئيس نصفه بالباطون والنصف الثاني بباب حديد استرجع أخيرًا إلى مكانه في منزل المهندس الياس سركيس.

       انتهت الحرب وبدأت العودة وأحسّ الأهالي هول الكارثة التي اجتاحت بلدتهم بما في ذلك دير مارت تقلا، فأخذ المخلصون إجراء الاتصالات اللازمة مع مختلف الرهبانيّات لمعرفة من بإمكانها تسلّم الدير. فقام المهندس سمير سركيس بعدد من الاتّصالات منها اتّصال مع الراهبات الشويّريّات وآخر مع الرهبنة اللبنانيّة عن طريق الأباتي يوحنا تابت كيّ يعاد الدير إلى مالكيه الاساسيّين، كما قام السيّد غانم رعد بإجراء اتّصالات مماثلة مع راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات وراهبات القديسة رفقا وغيرهم وكان الجميع يعتذرون عن قبول الهبة واستلام الدير، حتّى قيّض الله الآباء اللعازاريّين بشخص رئيسهم الإقليميّ الأب جورج أبو جوده القبول بتسلّم الدير في حال موافقة روما على ذلك.

       أجيت اتّصالات مع السفارة البابويّة وتمّ تحضير ملف بطلب استرجاع ملكيّة الدير أرسل إلى روما على أن يكون المطران يوسف بشاره القيّم على قبول الهبة وتحويلها إلى الآباء اللعازاريّين وبتاريخ 8 آب 1997 وجّهت السفارة البابويّة إلى سيادة المطران بشارة كتابًا تعلنه فيه أنّ روما وافقت على نقل ملكيّة الدير إلى الآباء اللعازاريّين على أن تقوم هذه الأخيرة بإجراء الإتّصال المباشر بالرئيسة العامّة لراهبات سانمت زيتا التي لا تزال في روما وهكذا كان. وبتاريخ 10 كانون الأوّل 1997 تسلّم الاب العام للرهبنة اللعازاريّة كتاب الموافقة على استلام الدير. وهكذا أصبح دير مارت تقلا في عهدة الآباء اللعازاريّين.                

(يراجع كتيّب القديسة تقلا أولى الشهيدات، حياتها، القدّاس، والزيّاح والقراءات، الشبانيّة 2001)

 

ADMIN

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment