التبويبات الأساسية

رأس المتن بين ماضٍ أصيل وحاضر ينبض بحسّ الحداثة والتطور

  • رأس المتن بين ماضٍ أصيل وحاضر ينبض بحسّ الحداثة والتطور-0
  • رأس المتن بين ماضٍ أصيل وحاضر ينبض بحسّ الحداثة والتطور-1
  • رأس المتن بين ماضٍ أصيل وحاضر ينبض بحسّ الحداثة والتطور-2
  • رأس المتن بين ماضٍ أصيل وحاضر ينبض بحسّ الحداثة والتطور-3

رأس المتن بين ماضٍ أصيل وحاضر ينبض بحسّ الحداثة والتطور

سحر صالحة _ الأنباء

الأنباء 23/9/2015

 

رأس المتن بلدة عريقة تقع على هضبة شامخة تكلّلها غابات كثيفة من الصنوبر في أعلى الجبل الذي يتوسّط حضن المتن الأعلى، ممتدًّا من الشرق من أسفل بلدة قرنايل، آخذًا بالامتداد غرباً حتّى يصل إلى مكان إسمه (الملقى)، أي عندما يلتقي النهران، الأوّل وهو نهر حمّانا والثاني النهر الذي يبدأ من أسفل جبل كفرسلوان، حيث يلتقيان في وادي العباديّة مؤلّفين (نهر بيروت). فعند هذا الملقى يبدأ جبل رأس المتن راسمًا لوحة رائعة جذّابة لجبل في غاية العلوّ.

تبلغ مساحة رأس المتن ثلاثين كيلومترًا مربّعًا، وتغطّي بأشجار الصنوبر والسنديان والزيتون أكثر من ستّين في المئة من مساحتها. وهي ترتفع عن سطح البحر نحو ثمانمائة متر كحدّ أدنى وألف متر في حدّها الأقصى.

وقد تعدّدت الفرضيّات المرتبطة بسبب تسمية هذه البلدة برأس المتن، ويقول البعض أنّ تسميتها تعود إلى ما تعنيه كلمة (المتن) في العربيّة وهو ما صلب بالأرض وارتفع وفي رأس المتن، وفي القسم الغربيّ منها طبقة صخريّة يعتقد أنّه السبب في تسميتها. والبعض الآخر يقول أنّ إسمها كان الراس وذلك يعود إلى موقعها الجميل على رأس الجبل، ومن حوالي مئة وخمسين سنة أصبحت تعرف برأس المتن، وإنّها كانت تتّبع المتن الشمالّي ومن ثمّ انفصلت لتتبّع المتن الأعلى.

وفي حديث مع المدير السابق لمدرسة المنار الحديثة ومؤلّف كتاب "رأس المتن مطارح وحكايات" فؤاد أبو رسلان تحدّث عن أقدم العائلات في رأس المتن ومنها عائلة (نبا) والتي أصبحت اليوم من أقلّ العائلات عددًا في رأس المتن، وعن عائلة (أبو رسلان) والتي أيضًا تعتبر من أقدم العائلات في رأس المتن، فضلًا عن وجود عائلات أخرى منها: عائلة صالحة، عائلة مكارم، عائلة نويهض، عائلة غرز الدين، عائلة غزال، عائلة حسن، عائلة المشطوب، عائلة هاني، عائلة الأطرش، عائلة دانيل الخ…

وبحسب الأخبار المرويّة، كانت بعض هذه العائلات تسكن في المزارع المجاورة والبعض الآخر أتى من الشمال أي "كسروان" والآخرون أتوا من البقاع. أمّا عن العائلات المسيحيّة في هذه البلدة، فكان هناك عائلتين فقط: "عائلة سعد" و"عائلة فريحة"، وقد عاشتا في رأس المتن منذ حوالى ثلاثمئة سنة. وهما الآن من الأقليّات في رأس المتن.

وبالرغم من موقعها الجميل والجذّاب وتلال الصنوبر التي تكلّلها والعائلات المتعدّدة التي تقطنها، إلاّ إنّها تتميّز أيضًا بوجود عدّة ينابيع غزيرة منها: نبع دير قنات، نبع دير خونة، نبع بدونس، نبع بتعلين وعين المرج والتي تعتبر من الآثار وتؤرّخ لوحتها إنشاءها عام 1476، أي في عصر المماليك.

وبحسب وصف أبو رسلان، فإنّ هذه العين هي أكبر دليل على أن رأس المتن كانت تزدهر زراعيًّا ويعود السبب في ذلك إلى تسمية هذه العين بعين "المرج".

ومَن منّا لا يعلم مدى أهميّة التراث الذي يحمل في طيّاته هويّة الأشياء، فبلدة رأس المتن موطن العمارة الهندسيّة حيث تحتوي على البيوت التقليديّة المشهورة وصولًا إلى البيوت ذات الطابع الغربيّ الفخمة.

وفي رأس المتن سرايا كبرى تحمل بين أعمدتها قصصًا وروايات طواها الزمن ولم يترك منها إلّا صور في ذاكرة الأجيال السابقة، ومنهم الأستاذ فؤاد الذي عاش في تلك الفترة ولا زال الحنين يقوده إلى روايات وقصص استوطنت ذاكرته.

تمّ بناء السرايا على يدّ الأمراء اللّمعيّين في بداية القرن السابع عشر، ثمّ ما لبث أن سقطت إمارتهم، فقام أحد مشايخ الدروز بشراء هذه السرايا وبعدها باعها إلى جمعيّة تعرف بجمعيّة الفريندس وهي جمعيّة دينيّة أتت من لندن سعيًا لإنشاء مدرسة تعليميّة في لبنان وكان من بينها مدرسة السرايا التي عرفت بمدرسة أوليفر آنذاك وهو الأستاذ الذي تولّى التعليم في السرايا.

وتمّ إنشاء هذه المدرسة عام 1901 وكان هدفها محو الأميّة، فبدأت تعطي دروسًا في القراءة والكتابة، بالإضافة إلى تقديمها خدمات إنسانيّة وأكاديميّة أثناء الحرب العالميّة الأولى جعلتها ميتمًا للأولاد المشرّدين وللأيتام والمعوّقين. وإلى جانب هذا الميتم، تمّ فتح معهد للتعليم المهنيّ واليدويّ لهؤلاء الأطفال والعائلات لتأمين مصدر رزق لهم أثناء الحرب.

وبعد إنتهاء الحرب تمّ تخريج العديد من الشخصيّات المهمّة في رأس المتن نذكر منهم: نجيب بك صالحة، الشاعر أنيس فريحة، والأستاذ عبدالله الخوري وغيرهم كثر.

ولتوضيح مدى أهميّة هذه المدرسة تمّ وضع صور لها في الكونغرس الأميركيّ بالإضافة إلى وثائق تتحدّث عن الخدمات والمساعدات التي قدّمتها والرسالة التي كانت تحملها.

فهكذا تبقى السرايا بالنسبة للأجيال السابقة مكاناً خبّؤوا فيه ذكرياتهم وأفراحهم وربّما أحزانهم.

وتميّزت رأس المتن قديمًا بمكانيْن كانا بمثابة منتزهات للرحلات المدرسيّة وللعائلات. فالسنديانة القديمة في بتعلين تحمل في عروقها أحاديث وضحكات تلامذة من الجيل القديم حيث كانوا يذهبون إليها بمقصد التسلية والترفيه كما يروي الأستاذ فؤاد وأصدقاؤه ذكرياتهم هناك، أمّا المكان الآخر الذي كان يُقصد بهدف التسلية والترفيه أيضًا هو شير الهزاز وهو صخرة ضخمة تهزّ عند اللّمس بها. ولا زالت هذه الصخرة حتّى الآن تحتفظ بأسماء البعض من تلامذة مدرسة السرايا القديمة.

"ظلمتها شديدة واتساعها عجيب وارتفاعها عظيم، كنّا نرمي فيها حجرًا فلا نسمع له صوت تماس، وهي موطن خصب لنشأة الخرافات والأساطير. وعندما تُضاء ذات يوم قد تكون بروعة مغارة جعيتا وجلالها"، هكذا وصف الشاعر أنيس فريحة مغارة الحسكان التي تقع عند الملقى في رأس المتن.

وكما يروي بعض المزارعين القدامى كانت هذه المغارة مأوىَ يلجأون إليه مع مواشيهم أيام الشتاء القاسية. وحتّى الآن ليس لهذه المغارة طريق آمن للوصول إليها نظرًا لوقوعها في بطن الجبل ولوعورة المكان وخطورته، ولا سيّما أنّ هذه المغارة لا زالت غير مكتشفة رسميًّا في لبنان، على أمل أن يتم الاهتمام بها وبمعالمها لتكن مكان جذبٍ للسياحة.

ولا بدّ من الإشارة أنّ رأس المتن قديمًا وحديثًا تتصدّر المرتبة الأولى في إنتاج الصنوبر في لبنان والعالم العربيّ، فهي التي تحدّد سعر الصنوبر في السوق كونها وبحسب الإحصاءات تنتج من ستين إلى سبعين في المئة من الصنوبر المعروف بالحبّ الأبيض، وإنّ حوالي ما يزيد عن مئتي وخمسين عائلة تعيش فيها من مردود هذه الشجرة.

أمّا عن رأس المتن حديثًا وعن الجمعيّات والحركات الثقافيّة والبيئيّة والاجتماعيّة التي تشهدها بلدة رأس المتن، قال عضو بلدية رأس المتن رجا أبو رسلان، أنها تشهد نهضة ثقافيّة واسعة وذلك عبر الجمعيّات المتعدّدة التي توجد فيها، من أهمها "جمعيّة سيّدات رأس المتن" والتي تقيم المهرجانات السنويّة وتعرف "بمهرجانات الصنوبر".

وبالنسبة للنواحي الاجتماعيّة، فهناك جمعيّة الرابطة الإجتماعيّة التي تركّز على النواحي الاجتماعيّة والندوات الثقافيّة ودراسة المواضيع الاقتصاديّة والحركة التنمويّة داخل رأس المتن. وهناك جمعيّة ناشطة في المجال البيئيّ والتي تعمل على السياحة البيئيّة داخل رأس المتن، ويكمن هدفها في إعادة تحريش حرش رأس المتن بالصنوبر، وتعمل الآن بالتعاون مع البلديّة والجمعيّات الأخرى والأحزاب لوضع خطّة لفرز النفايات في رأس المتن.

وتنشط جمعيّة الكشاف التقدميّ في هذه البلدة حيث يعتبر فوج رأس المتن من الأفواج الأولى على صعيد الجمعيّة. وهو يتميّز بفرقته الموسيقيّة ويركّز في رسالته على تنشئة الأجيال ليكونوا أفرادًا صالحين في مجتمعهم.

وتحدّث الأستاذ رجا عن تصنيف رأس المتن كبلدة سياحيّة إلّا أنّها تفتقد لبعض مقومات السياحة مثلًا كالفنادق وبيوت الضيافة وغيرها.

بلدةٌ ملفتة بجمالها وموقعها، وبمزايا وطباع أهلها الذين يتفرّدون بالنخوة وحسن الضيافة… بلدةٌ لها تاريخٌ عريق تحدّثت عنه كتبٌ عديدة. فتبقى رأس المتن في نظر من أحبها هواءً يتنفّسه مع كلّ نسمةٍ معطّرة بنفحات الصنوبر … وكما قال الشاعر أنيس فريحة في كتابه إسمع يا رضا "إنّ في لبنان هذا الجبل المقدّس، قمّة من أجمل قمم الله على الأرض، هي ضيعتي رأس المتن".

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment