التبويبات الأساسية

سراي بعبدا الأثريّ

  • سراي بعبدا الأثريّ-0
  • سراي بعبدا الأثريّ-1
  • سراي بعبدا الأثريّ-2
  • سراي بعبدا الأثريّ-3
  • سراي بعبدا الأثريّ-4
  • سراي بعبدا الأثريّ-5
  • سراي بعبدا الأثريّ-6
  • سراي بعبدا الأثريّ-7

سراي بعبدا الحكوميّ

لمحة تاريخيّة:

تعتبر سرايا بعبدا من أهمّ المعالم التاريخيّة وأقدم المباني العامّة في لبنان، فقد بنيت بالحجر الرمليّ الذي ميّز المباني القديمة، إلى أبراج على زوايا أربعة، لإعطائها طابع القلاع، على مساحة ٧ آلاف و٨٥٢ مترًا مربّعًا من البناء موزّعة على طابقين تحيطهما حديقة داخليّة، موجودة في مدينة بعبدا التي مارست دورًا كبيرًا في تاريخ لبنان ما بين العامين ١٨٦٠ و١٩١٦ أي فترة المتصرفيّة في جبل لبنان.

ولأهميّة هذا المعلم الأثريّ، كان لا بدّ لنا من العودة إلى تاريخه والإضاءة على المراحل الطويلة التي مرّت به.

كان السراي الحكوميّ قصرًا شُيّد على مراحل عدّة بدأت مع الأمير حيدر شهاب عام 1775 الذي جاء إلى بعبدا بعدما انتقل الحكم بالمصاهرة إلى الشهابيّين، على ما يذكر المؤرّخ جورج عبدو معتوق. وبعد وفاته عام 1851 أكمل ولده الأمير ملحم بناء القصر الذي بقي في حوزة الأمراء الشهابيّين حتى عام 1883.

في مرحلة المتصرفيّة، أخذ اوّل متصرّف داود باشا (١٨٦١ - ١٨٦٨) قصر الأمير أسعد شهاب الموجود في منطقة سبنيه (الحدث) القريبة من بلدة بعبدا وجعله مركزًا لحكومة المتصرفيّة، وبيت الدين المقرّ الصيفيّ. ومن بعده أُعجِب فرانكو باشا بقصر الأمير حيدر فاستأجره عام 1868 وجعله مقرًّا لحكمه ومركزًا لحكومته.

وفي عهد رستم باشا عام 1872 تعقّدت الأمور، فهذا المتصرّف الذي كان معروفًا بكرهه للإكليروس تمكّن بمساعدة قنصل فرنسا في لبنان مسيو تريكو من نفي المطران بطرس البستانيّ إلى القدس. فثارت ثائرة اللبنانيّين وفي مقدّمهم أهالي بعبدا الذين تجمّعوا ووقّعوا عريضة احتجاج، فغضب رستم باشا ونقل مركز المتصرفيّة إلى قصر الأمراء الشهابيّين في حارة البطم في الحدث، الأمر الذي انعكس سلبًا على وضع بلدة بعبدا الاقتصاديّ والاجتماعيّ والمعيشيّ التي عاشت أيّام عزّ وازدهار وإقبال سكنيّ كبير مع قدوم الأمراء الشهابيّين إليها وتحويلها عاصمتهم الثانية بعد دير القمر، فقرّروا العمل على استعادة مركز المتصرفيّة.

ومع وصول المتصرّف الجديد واصا باشا عام ١٨٨٢ وحفاظًا على الإرث ساهمت نحو 250 عائلة من بعبدا بشراء قصر الأمير حيدر الشهابيّ من الورثة بمبلغ كبير (ألف ليرة عثمانيّة ذهبًا في حينها)، حيث شكّل أهالي بعبدا لجنة تضم مختلف العائلات وأخذت وعدًا بالبيع من الورثة الشهابيّين، ريثما يتسنّى لهم تدبير الثمن المطلوب، وحصلت من التاجر البيروتيّ الثريّ سليم الياس الحلو على تعهّد بتسليف المبلغ على أن يتمّ استيفاؤه مع الفائدة على مدى عشرين عامًا.

وهذا بالفعل ما حصل بعدما قررّت اللجنة لتجميعه فرض ضريبة دخل على السكّان وصارت تستوفي الضرائب على الأعناق والأملاك وعلى القيمة التأجيريّة، ومن لا يملك مالًا قدّم عمله. وشرع يوسف بك صعب بإتمام ما اتّفق عليه الأهالي واتّصل بالمتصرّف واصا باشا وتمكّن من إقناعه باعتماد القصر الشهابيّ مقرًّا رسميًّا للمتصرفيّة وطلب منه أن يستحصل من مجلس الادارة الكبير في لبنان الموافقة على قبول الهبة ونقل المتصرفيّة إليها، فلبّى طلبهم ووافق المجلس على العرض. وتمّ تقديم القصر إلى المتصرّف الجديد الذي حوّله في ما بعد إلى سرايا حكوميّة أي المركز الرسميّ لمتصرفيّة جبل لبنان.

ومنذ ذلك الحين تحوّل قصر الأمير ملحم إلى سراي بعبدا وأصبحت البلدة عاصمة لبنان الصغير المستقلّ حتى عام 1918. وكلّ السجلّات والأختام والوثائق العائدة لهذه العمليّة والتواقيع العائدة لـ 250 عائلة من بعبدا لا تزال محفوظة بعناية لدى فارس الملّاط حفيد أحد القيّمين الأساسيّين على هذا المشروع أنطوان عوّاد.

فقد ورد في إحدى الوثائق المحفوظة لليوم لدى السيّد فارس الملاط، وثيقة تاريخيّة تضمّنت 250 توقيعًا، بما حملت من لغة عادية ما يلي:

" نحن الواضعون أسماءنا بذيله قد وكلنا بتمام رضانا، ونحن بالحالة المعتبرة مرتاحا انطون أفندي من قريتنا بعبدا لشراء السرايا المعروفة بملك جناب وحضرة ورثة المرحوم الأمير ملحم شهاب القائمة بالقرية والمحررة بالثمن الذي يراه، بالغا ما بلغ مؤجلا أو معجلا ويرجع علينا به. وكلنا الانف الموقع نحب إتمام عقد الشراء، وان يقدم السرايا لجانب حكومة متصرفية جبل لبنان الجليلة هبة بدون عوض وفوضناه تفويضا مطلقا بأن يتصرف بحسب رأيه، فجميع ما ذكره الأهل قد حررنا صك عن الوكالة تحت امضاءاتنا واختامنا".

مساحته وبناؤه:

يقوم سراي بعبدا على مساحة تبلغ 7852 مترًا مربّعًا، ويتألّف من طبقتين تطلّان على دار أو ساحة كبيرة، تزيّنهما القناطر والأعمدة الحجرية، ويكلّلهما سقف من القرميد الأحمر. بعد جعله مقرًّا له، قام واصا باشا بإصلاحه وتجهيزه ليكون مركزًا للمتصرفيّة وأدخل عليه الكثير من التحسينات، وأضاف الزخرفة والنقوش والزينات وأنشأ جناحين جديدين بعدما نقض البناء القديم وأنجز بناء الدائرتين الشرقيّة والغربيّة. أما الدائرة الشماليّة فقد بُني في عهد خلفه نعوم باشا عام 1897. أمّا المتصرّف مظفّر باشا الذي حكم بين 1902 و1907 أقام المدخل بعدما وجد إنّ باب دار الحكومة في بعبدا ضيّق ولا يتناسب مع مظهرها فعمل على توسيعه وتجميله ورفع فوقه الهمايونيّة المصنوعة على أحسن طراز.

سرايا بعبدا الحكوميّ، هذا المعلم الشامخ على تلّة مشرفة على مدخل البلدة بواجهاته ذات الهندسة العثمانيّة وبعض لمسات التراث اللبنانيّ المعماريّ، وما يحمل من أبراج في جهاته الأربعة، شاركت في استقبال الامبراطور الألمانيّ غليوم الثاني زعيم الرايخ الثاني حين زار لبنان عام 1898، بعدما وصل إليها في 6 تشرين الثاني بالقطار الحديديّ في عهد المتصرّف نعوم باشا، وشاهد عرضًا عسكريًّا على أنغام موسيقى الضابطيّة بقيادة الميرالايّ ملحم أبو شقرا، ومغادرته إيّاها محمّلًا بنصبتين من شجر الأرز قدّمها له أبو شقرا، بعد تقليد غليوم له وسامًا برتبة تاج بروسيا... هذه السرايا التي شهدت أهم الحقبات في تاريخ لبنان الحديث، تحوّلت من سراي خاص للأمير ملحم الشهابيّ، فسرايا الحكومة المتصرفيّة فسرايا بعبدا الحكوميّة في زمن الاستقلال اللبنانيّ محافظة على موقعها منذ المتصرفيّة: مركزًا لمحافظة جبل لبنان.

بعد هذه الحقبة تعرّض المبنى لتحوّلات هندسيّة عدّة، لينتهي الدور السياسيّ والإداريّ لهذا المكان مع إعلان دولة لبنان الكبير في عام ١٩٢٠ ولينتقل الى العاصمة بيروت. ومع إعلان استقلال لبنان في ٢٢ تشرين الثاني العام ١٩٤٣ وانتهاء الانتداب، أصبحت بعبدا المركز الإداريّ لمحافظة جبل لبنان.

بقيت السرايا مهجورة لمدّة، وأضيفت عليها أقسام عشوائيّة بداية التسعينات من القرن الماضي، لترميمها من أضرار الزمن والحرب، وبقي السراي على حال كبير من الإهمال على مدى عقود من الزمن طال بنيانه في الصميم وانعكس سلبًا على الغرف والجدران الخارجيّة والداخليّة والواجهات الخشبيّة وحتّى قساطل المياه، فاضطرّ الأمر إلى إجراء بعض أشغال الترميم عام 1993  التي "جاءت عشوائيّة ولا تحترم الحدّ الأدنى من قواعد الترميم المعتمدة في حالات المباني المحميّة" على ما يؤكده أحد المهندسين، الذي يشير إلى إنّ "الخشب الأصليّ من النوع القطرانيّ ذي القيمة المشهودة الذي كان يزيّن الممرّ الخارجيّ وبعض أجزاء المبنى وقد استبدل خلال عمليّات الترميم بلوحات من الألومنيوم أدّت إلى إفساد منظره وتشويه مظهره".

إضافة إلى إنّه لم يكن العقار مدرجًا على لائحة الجرد العام للأبنية التاريخيّة لغاية 31/3/2008 حين صدر القرار الرقم18 /2008 وتم نشره في الجريدة الرسميّة العدد 15 تاريخ 10/4/2008، وينصّ على ادراج العقار رقم 98 من منطقة بعبدا العقاريّة الذي تقوم عليه سراي بعبدا التاريخيّة في لائحة الجرد العام للمباني التاريخيّة ويمنع بموجبه القيام بأيّ عمل من شأنه تغيير الوضع الحاليّ للعقار من دون الموافقة المسبقة من المديريّة العامة للآثار على الأعمال المنوي اجراؤها والمواد المنوي استعمالها.

ان إدراج السراي لائحة الجرد العام للأبنية التاريخيّة لم يكن سهلًا بل تطلب جهدًا كبيرًا ومتابعة ومثابرة من "الجمعية اللبنانيّة للتنمية المحليّة" برئاسة الدكتورة ماري كلود حلو سعادة التي باشرت العمل في هذا المشروع منذ 10 ايلول 2007 حين عرضت على محافظ جبل لبنان بالوكالة القاضي انطوان سليمان ترميم سراي بعبدا وإعادة تأهيلها. فشجّع الفكرة سريعًا واقترح تحويل بعض أقسامها لاستقبال نشاطات واعمال فنيّة وثقافيّة وتراثيّة. وبعد ذلك عقد اجتماع آخر مع وزير الثقافة آنذاك الدكتور طارق متري الذي أبدى تجاوبًا كبيرًا مع الفكرة وطلب إلى المديريّة العامة للآثار تعيين لجنة خبراء مهمّتها إجراء تقويم أوّليّ لوضع المبنى.

وفي 19 تشرين الأوّل، أكّد المدير العام للآثار فريديريك الحسيني أولويّة إجراء كشف ميدانيّ للاطّلاع على حال السراي، ووعد باتّخاذ الاجراءات القانونيّة لإدراجه في "لائحة الجرد العام للمباني التاريخيّة". وقد تمّ تشكيل لجنة مختلطة تضم ممثّلين عن السلطات المحليّة من محافظة وبلديّة ومخاتير وعن الجمعيّة وعائلات بعبدا تتولّى متابعة قضيّة السراي لدى السلطات الرسميّة ومواكبة المشروع لجهة الترميم وتحديد وجهة الاستعمال مستقبلًا والبحث عن مصادر التمويل.

وفي 8 تشرين الثاني 2007 تفقّد المهندس رولان حدّاد، من مديرية الآثار، السراي في حضور جوزف زخيا ممثّلًا محافظ جبل لبنان، وأجرى الكشف الميدانيّ الأوّل وطلب جمع المعلومات والمستندات العائدة للسراي من صور وخرائط لوضع تقريره، لأنّه سبق أن خضعت لأعمال ترميم عشوائيّة عام 1993 إيّام المحافظ السابق أمين حمّود بغية إعادة تنظيم دوائر المحافظة.

وفي 23 كانون الثاني 2008، تسلّم المدير العام للآثار فريديريك الحسيني من وفد الجمعيّة الذي زاره، كلّ المستندات التاريخيّة التي تمّ جمعها عن السراي إضافة إلى الخرائط الموجودة في وزارة الاشغال العامّة. وعلى هذا الاساس أنشئ ملف تقنيّ للسراي وبدأ العمل على ادراجه في لائحة "الجرد العام للمباني الأثريّة"، وصدر في هذا الشأن القرار رقم 18 في العدد 15 من الجريدة الرسمية تاريخ 10 نيسان 2008 موقّعًا من وزير الثقافة الدكتور طارق متري.

إنّ الإهمال والحرمان ضربا مبنى سراي بعبدا في الصميم، من الوريد إلى الوريد، حتّى لم يبقَ فيه عرق ينبض لإهمال وحرمان كادا أن يقضيا على هويّته وأصله وفصله وكينونته. هذا كلّه، رغم اتّخاذه مركزًا لمحافظة جبل لبنان وتجمّع لعدد من إدارات الدولة الموزّعة في أرجائه. ففي الطابق الأرضي، مخفر للدرك مع زنزانة ومكتب للشرطة القضائيّة ومكتب لمأمور النفوس. وفي الطبقة الأولى تتوزّع مكاتب محافظة جبل لبنان، قائد منطقة جبل لبنان، مصلحة الصحّة، مركز الأمن العام (نُقل سنة 2016 إلى خارج السراي) ومكتب للوكالة الوطنيّة للإعلام.  وكان أعدّ مجلس الإنماء والإعمار بناء على طلب مجلس الوزراء دراسة مع مسح للموقع، وبقي العائق الكبير تحدّي وجهة استخدام هذا المبنى، مركز محافظة، أم متحفًا ومركزًا ثقافيَّا.

ويوضّح مجلس الإنماء والإعمار، إنّه "بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 19/2009 الذي كلّفه تأمين التمويل لترميم سراي بعبدا الحكوميّ، زار فريق عمل من المجلس مبنى السراي للاطّلاع عن كثب على وضع المبنى وإجراء كشف أوّليّ عليه وتحديد المشاكل التي يجب معالجتها، كما تمّ في خلال هذه الزيارة الميدانيّة الاجتماع مع محافظ جبل لبنان بالتكليف (السابق) القاضي انطوان سليمان والاستماع الى آرائه والاطّلاع على رؤيته المستقبليّة للمبنى". ويلخّص المجلس نتائج هذه الزيارة، إنّ المعلم التراثيّ يعاني من عدّة مشاكل وتقسّم إلى نوعين:

النوع الأوّل: المشاكل الهندسيّة، وهي ناتجة عن عدّة عوامل ومنها على سبيل المثال لا الحصر: عامل مرور الزمن، أضرار الحرب الأهليّة، الصيانة المتكرّرة غير السليمة إلى مشاكل إنشائيّة وتتضمّن مشاكل في مواد البناء القديمة، تسرّب مياه الشتاء والرطوبة إلى داخل المبنى والقاعات، مشاكل في أشغال التمديدات الكهربائيّة والمياه ومياه الصرف، ومشاكل في أشغال المنجور والحديد.

النوع الثاني: المشاكل الوظيفيّة، وهي ناتجة أيضًا عن عدّة عوامل على سبيل المثال لا الحصر: وجود العديد من الإدارات الرسميّة التي تتطلّب شروطًا غير ملائمة لطبيعة المبنى: ( السجن، مفارز أمنيّة…)، مع ما تتطلّبه من مساحات لا قدرة للمبنى على استيعابها… وقد أدّت هذه العوامل إلى: إضافات عشوائيّة وتشويهات معماريّة مع ما ينتج عنها من أثر سلبيّ على كماليّة المعلم الأثريّ، إكتظاظ في عدد الموظّفين والمكاتب مع ما ينتج عنها من أثر سلبيّ على سلامة المعلم.

يضيف المجلس: "أمّا بالنسبة للرؤية المستقبليّة للمعلم، فقد أبدى المحافظ سليمان في كتاب أرسله إلى المجلس رغبته بإعادة المعلم إلى وضعه الأساسيّ والتاريخيّ قبل التعديلات، على أن يتم في ما بعد وحين تأمين البديل نقل الإدارات إلى مبنى آخر وتحويل السراي إلى متحف لحقبة مهمّة واتّخاذه كمركز للنشاطات الثقافيّة المحليّة والدوليّة".

وعن إعداد دراسة الترميم ومتى ستكون جاهزة للتنفيذ، يشير المجلس إلى إنّه " تم تحضير الضوابط المرجعيّة لإعداد الدراسات على أن تتم الموافقة عليها من قبل وزارة الداخليّة لجهة تحديد واعتماد الوظيفة النهائيّة للمعلم، فضلًا عن الموافقة من قبل المديريّة العامة للآثار على البنود المتعلّقة بالأمور الفنيّة لتحضير الدراسات كون هذا المعلم وضع على لائحة الجرد العامة للأبنية التاريخيّة، ويشير المجلس إلى "إنّ كلفة مشروع ترميم السراي ستحدّدها الدراسات بحسب الوظائف النهائيّة للمعلم. أما مراحل المشروع فتتضمّن عدّة محطّات أهمها: اعداد الدراسات على أن تتلازم مع ايجاد الحلول والأماكن البديلة للإدارات الرسميّة غير الملحوظة في الرؤية المستقبليّة للمعلم، تأمين مصادر التمويل وتلزيم الأشغال والإشراف عليها، وفي حال لم تبد أي جهة استعدادها لتمويل أشغال الترميم يمكن العودة إلى مجلس الوزراء لاتّخاذ القرار المناسب في هذا الشأن".

وكيّ لا يبقى أجمل بناء في بعبدا، وأقدم المباني العامّة في لبنان مكانًا لتخليص المعاملات الإداريّة، علت صرخة لترميم سرايا بعبدا ولتغيير وجهة استعمالها لتصبح متحفًا للمتصرفيّة إحياءً للذاكرة الجماعيّة، ومركزا ثقافيًّا ومسرحًا. لهذه الأسباب قرّرت رئيسة "جمعيّة تشجيع حماية المواقع الطبيعيّة والأبنية القديمة في لبنان" (أبساد) السيدة ريّا الداعوق، ووزارة الثقافة ورئيس بلدية بعبدا (السابق) الدكتور هنري كرميلو حلو، لفت الانتباه إلى هذا المركز من خلال أمسية "مقامات في السرايا" أحياها الفنان شربل روحانا لرفع مقام هذا المكان إلى حيث يستحقّ أن يكون.

رعى الأمسية وزير الداخليّة والبلديّات في حكومة تصريف الأعمال (وقتها) ممثّلًا بالسيّدة ليندا شربل، وحضر وزير الإعلام وليد الداعوق، ووزير الداخليّة السابق زياد بارود، وعدد من السفراء والمهتمّين، تجمّعوا في الباحة الداخليّة التي تغيّرت وجهة استعمالها ولو لمرّة واحدة.

بداية رحّبت السيّدة الداعوق بالحضور، وقالت: "نحن اليوم في هذا المبنى الرائع لاستحضار ماضٍ عريق عرفه بلدنا. هذا المبنى تحفة هندسيّة، تروي تاريخًا زاخرًا بالذكريات والمحطّات المهمّة في مسيرة لبنان. هل يعقل أن يواجه هذا المبنى إهمالًا شبه تام، لأنّ الدولة عاجزة؟ هل مقبول أن يكون مخفرًا ومركزًا إداريًّا وهو جوهرة معماريّة، يستحقّ أن يرمّم ليصبح متحفًا يروي محطّات أوصلتنا إلى الديموقراطيّة الوحيدة في محيطنا العربيّ؟ صرحٌ يكاد يروي تاريخ القوانين والدساتير، هو ساكت اليوم، يروي فقط مشكلات وملفّات الناس الإداريّة، وإذا لم يرمّم، فان مصيره الزوال".

مع الإشارة إلى أنّ بلديّة بعبدا (المجلس البديّ السابق) قدّمت مبادرة، تعتبر أساسيّة لإطلاق عمليّة الترميم، عبر تقديم مبنى البلدية القديم ومبنى آخر جديد لتنتقل اليهما الإدارات الرسميّة الموجودة في السراي.

ورأى رئيس بلدية بعبدا (السابق) هنري الحلو "إنّ الادارات الرسمية التي تشغل السراي يتم نقلها الى المبنيين المقدّمين من البلديّة أيّ مفرزة الدرك وقيادة المنطقة والصحّة والأحوال الشخصيّة، بينما تبقى المحافظة ومكتب المحافظ، وينتقل مبنى البلديّة إلى الطابق السفليّ من السراي وتتعهّد البلديّة الصيانة الدائمة للسراي".

ويؤكّد الحلو "ضرورة أن يكون السراي مركزًا أثريًّا ومقرًّا ثقافيًّا وفنّيًّا ويجب أن تحتوي متحفًا أثريًّا لأنّها معلم تاريخيّ أثريّ وله معان كثيرة في قلوب أبناء بعبدا، وهم مستعدّون في حال لم يتأمّن التمويل للترميم أن ينظّموا حملة تبرّعات للقيام بذلك لأنّهم لن يتخلّوا عنه مهما بلغت الظروف".

الأمل كبير في أن يصبّ المعنيّون والمهتمّون بحماية التراث اللبنانيّ اليوم جهودهم لإيجاد مصادر التمويل والمباشرة بالدراسات وتحديد الكلفة والبدء بتنفيذ أعمال الترميم والتأهيل لإنقاذ هذا المبنى المميّز بجماليّته الهندسيّة وحماية أهميّته التاريخيّة، كما إنّ أبناء بعبدا الذين حافظوا عليه وقدّروا قيمته منذ أكثر من 120 عامًا يستأهلون أنّ يتحوّل هذا السراي صرحًا ثقافيًّا ومتحفًا يشعّ بالنشاطات الموسيقيّة والمسرحيّات والحفلات الفنّيّة التي تضيء ليالي بلدتهم الجميلة.

يراجع:

  • (تحقيق حول سراي بعبدا تم اعداده من قبل: عبيدة محروم ونظيرة فرنسيس منشور في موقع الوكالة الوطنية للإعلام الثلاثاء 16 تشرين الأول 2012).
  • المصدر: الوكالة الوطنية تاريخ 27/5/2014.
  • مقال للكاتبة رلى معوّض منشور في جريدة النهار تاريخ 1/10/2013.

 

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment