التبويبات الأساسية

سعيد عقل… إن حكى

سعيد عقل… إن حكى

سعيد عقل… إن حكى

بقلم الدكتور جورج شبلي

لقد وقّع سعيد عقل مع الدهشة عقدًا، أقلّ بنوده إلزاميّة معانقة السنين الماية له لتنعدي منه عزّا. هذا المتعملق الذي رجح الفكر معه في الكفّة، شأنه شأن المنارات التي تضيئ  ولا احتراق، وقدره قدر الروّاد الذين عدّهم عدّ الأصابع وفاعليّتهم فاعليّة أمم.

لم يكن مشروع سعيد عقل تكريس ذاته للمطاف الأدبيّ فقط، وهو الذي ضرب عرق إبداعه في أصقاع الأمّة فأغنى، فالفيضان الكتابيّ عنده جاوز ضفّتي الأدب إلى الفكر والتاريخ والحضارة واللّغة، فقاربها بالوعي الإغريقيّ وبأسلوب أولاد الملوك. وساعدته أعوامه الماية على تثبيت ارتباطه بالزمن، وعلى عدم وقوعه أسيرًا للقلق والألم والتشاؤم، فبنى صداقة أبديّة مع الكلمة التي أوكل إليها العناية بالوصف والحوار والتصوير والتشويق. ثمّ حمّلها، وبكلّ ما تملك من ثروات، مسؤوليّة النقد التصويبيّ في زمن حبس مفكّروه وأدباؤه في قوالب جامدة جعلت عقولهم وهي على جوع وعوز. وهكذا تشفّى السعيد من الزمن بمنحه الكلمة أبعادًا راقية لم ترق إليها في تاريخها .

كان سعيد ذا شخصيّة تشرّبت الكثير من النزعة الوطنيّة، وهي نزعة ثوريّة من دون دموع. فلم يمشهد وطنًا مصابًا سيق إلى الموت، أو وطنًا مشرّدا فوق ذلّ الأرصفة، بل نصّع صورة الوطن المتفوّق الذي لم يتعاط إلاّ كؤوس المجد. وهذا اقتضى من الرجل حسًّا ملتهب العصب، فبدا وقد تأصّل فيه بعد العهد في الشعور الوطنيّ، همّه ألاّ تتخدّر أذهان الناس بنواح الوطن المنكوب، داعيًا إلى تعليق صورة لبنان قدموس وهنيبعل في صدر الذاكرة، لا لتمجيد الألى بل لتكريس مواسم الكرامة وتوريثها.

والشعر مع سعيد مباراة في الأناقة. فالقصيدة ليست ضجيجًا، وإن كانت ضربَ أسواطٍ يُلهبُ ظهورَ الطارئين على الشعر، بل هي مفاجأة واثقة بنفسها لا تصادق سوى الموهوبين، اولئك الذين يعرفون وحدهم سرّ إصابتها برجّة العظمة. القصيدة مع سعيد أغنية طرب، مع كلّ صورة ألف آه، وفي كلّ ترصيع سلطنة. وهي لا تخجل أبدًا، فالجمال فيها يخوض معركة مع الجمال، وهي حدّ فاصل بين البديع والعاديّة، بين القدرة ذات الأصل التكوينيّ وبين الطارئيّة وعدم الإستعداد .

قصيدة سعيد عقل تقول لأكثر الشعراء: إذهبوا وابحثوا لكم عن حرفة أخرى.

سعيد إن حكى، فحكيه يشهد له، بعد أحمد شوقي، بالإمامة .

 

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment