التبويبات الأساسية

مكافحة الفساد في لبنان

مكافحة الفساد في لبنان

سبل مكافحة الفساد
.... انّ تفكيك شبكات الفساد عمليّة متشبعّة وطويلة المدى تقع مسؤوليّتها على جهاتٍ عدّة في الحكومة، وعلى القطاع الخاصّ، والمجتمع المدنّي بكلّ فعاليّاته، وعلى المواطنين أفراداً وجماعات. كذلك يمكن للدعم الذي تقدّمه الهيئات الدوليّة المانحة أن تسهم عبر مشاريعها التنمويّة، في حال أحسنت إدارته، على الحدّ من مظاهر الفساد.
_ تعزيز مبدأ المساءلة السياسيّة وتحفيز المواطنين على محاسبة ممثّليهم... ان ردم الهوة بين المواطن والدولة تبدأ من اعادة احياء السلطات السياسيّة، واسترجاع ثقة المواطن بقدرته على التأثير في السياسات العامّة، وخروجه من حالة اللامبالاة الناتجة من الشعور بالعجز عن احداث التغيير المنشود، وتحرير العلاقة بينه وبين الزعيم السياسيّ من منطق الابتزاز، و المصالح الشخصيّة المتبادلة من أجل الدخول الى بناء دولة المؤسّسات التي تؤدّي دورها بالشكل الملائم. انّ انبثاق سلطة تشريعيّة عن إرادة شعبيّة تعي تماماً أهمّية الانتخابات التشريعيّة و خطورتها على الحياة العامّة يساعد في مراقبة أداء السلطة التنفيذيّة، وتقويم الاعوجاج في مسار عملها السياسيّ و الإداريّ، ويضعها تحت ضغوط متواصلة لتحسين أدائها و الاستجابة لمتطلّبات مواطنيها.
_ وضع آليّات محدّدة لإشراك منظّمات المجتمع المدنيّ بكلّ أشكالها وقطاعاتها، وممثّلي القطاع الخاصّ في عمليّة صنع القرار السياسيّ. والمقصود بالقرار السياسيّ كلّ ما له علاقة برسم السياسات الأمّة في كلّ مجالات الحياة (السياسة الاقتصاديّة، السياسة الماليّة، السياسة التربويّة، السياسة الزراعيّة، الإصلاح الإداريّ، إلخ.). فالمجتمع المدنيّ، وان كان نشاطاً في لبنان، لا يزال يشكو ضعف قدرته على التأثير في صوغ السياسة الحكوميّة. لذلك، لا بدّ من قيام شراكةٍ حقيقية بينه وبين الدولة قد تأخذ أشكالاً عدّة تفتح من خلالها قنوات فاعلة للتعاون على حلّ المشكلات القائمة في البلاد والحدّ من مظاهر الفساد التي تعرقل حركة المجتمع والاقتصاد.
_ اعتماد برنامج تثقيف متكامل يدخل في صلب مادة التربية المدنيّة في المدارس والعمل على تطويره بشكل مستمرّ يهدف إلى توعية الطلّاب على سلبيّات الفساد بكلّ أشكاله، وأهميّة التصدّي له على الصعيدين الفردي والجماعي، وتعزيز الانتماء إلى الوطن والشعور بالمسؤوليّة في الحفاظ عليه واحترام القانون. ويجب إعطاء الأهميّة اللّازمة لهذه المادة كي تأخذ مكانتها بين سائر المواد التعليميّة.
_ وضع وإقرار الإطار القانونيّ والتنظيميّ الذي يكرّس حقّ المواطن بالاطّلاع على المستندات الإداريّة التي تديرها الوزارات والمؤسّسات العامّة والبلديّات والمؤسّسات المختلطة من ملفّات، وتقارير، واحصاءات، وبرامج، وخطط، عدا تلك التي يستثنيها القانون لضرورات تتعلّق بالأمن، والحياة الخاصّة للأفراد، إلى ما هناك من اعتبارات. انّ تكريس هذا الحقّ يساعد في رفع مستوى الشفافيّة في الدولة، ويسهم تالياً في الحدّ من الفساد، ويشكّل مصدرًا مهمًّا للمعلومات يمكن للمواطنين والمؤسّسات ووسائل الإعلام الاستناد إليها في معرض مساءلتهم المسؤولين في الدولة وإدارتها.
_ تخفيف الإجراءات الإداريّة التي أصبحت بابًا واسعًا ينفذ الفساد من خلاله إلى تخريب العلاقة بين المواطن والدولة، وهدم العلاقات المهنيّة والاجتماعيّة، وعرقلة فرص الاستثمار، وإثراء الموظّفين المخالفين بطرقٍ غير مشروعة. انّ تدبيرًا من هذا النوع يحتاج إلى إعطاء الأولويّة للمعاملات التي يطلبها المواطنون والمؤسّسات بكثافة، والعمل على تبسيط المراحل التي تجتازها كلّ معاملة، الأمر الذي يستدعي تعديل بعض القوانين أو المراسيم أو القرارات أو الممارسات الإداريّة، على ان يتمّ الاستفادة من الفرص التي توفّرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتسهيل حياة المواطنين، وربط الإدارات ببعضها البعض، والتخفيف، قدر الامكان، من التواصل الشخصيّ بين الموظّفين والمواطنين.
_ إطلاق ورشة تدريبيّة تستهدف تعميم ثقافة "خدمة المواطن" في الإدارات والمؤسّسات العامّة بغية بث روح جديدة في القطاع العام تقوم على الانتاجيّة، وتطوير الأداء، والنزاهة، واحترام المواطنين وجعلهم محور العمليّة الإصلاحيّة التي يجب ان تطاول كلّ مكونات الإدارة من هيكل تنظيميّ، إلى إدارة الموارد الماليّة والبشريّة والتقنيّة، إلى وضع وتنسيق السياسات العامّة.
_ تفعيل عمل هيئات الرقابة التي تدقّق في عمل الإدارات والمؤسّسات العامّة والبلديّات كمجلس الخدمة المدنيّة، والتفتيش المركزيّ، وديوان المحاسبة، والهيئة العليا للتأديب عبر تحديد متطلّبات تطويرها من كلّ النواحي القانونيّة، والتنظيميّة، والتقنيّة، والبشريّة واعتماد آليّة عمليّة لمتابعة تطبيق قراراتها وتوصياتها، وتحييدها عن تدخّلات السياسيّين التي تعوقها عن القيام بعملها.
_ إعادة النظر ببعض القوانين النافذة التي تفتقر الى الآليّة التطبيقيّة الفاعلة كقانون الإثراء غير المشروع ومصادقة لبنان على اتّفاق الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد.
_ اعتماد نظام لتقويم أداء الموظّفين والعاملين في القطاع العام، وتطبيقه بشكل منتظم، بعيداً عن التأثيرات غير الموضوعيّة، والاستفادة من نتائج التقويم لتطوير العمل الإداريّ. ويجب على النظام المذكور أن يشدّد على أهميّة حسن التعامل مع المواطنين، والنزاهة، والشفافيّة كمعايير رئيسيّة للتقويم.
_ تعزيز النظام القضائيّ عبر تحييده عن المداخلات والصراعات السياسيّة، وتفعيل عمل المحاكم، وتسريع الإجراءات القضائيّة، وتعيين العدد الملائم من القضاة الذي يتطلّبه حجم العمل، وتوفير برامج الاعداد و التدريب المناسبة، وتفعيل التفتيش والتأديب القضائيّ.
إرشادات الى المواطنين للمساهمة في كسر حلقة الفساد
يمكن للمواطنين أن يؤدّوا دوراً كبيراً في محاربة الفساد. إذ لا يكفي إلقاء اللوم على الطبقة السياسيّة ومطالبة الحكومة بإصلاح الإدارة في حين يساهم المواطنون بشكل أو بآخر في تغذية الفساد وإطالة عمره. وفي ما يلي بعض التوصيات التي تؤكّد أهميّة دور المواطنين في كسر حلقة الفساد:
_ المشاركة في الحياة السياسيّة وعدم الوقوف موقف المتفرّج كلّما كانت الفرصة سانحةً لمحاسبة السياسيّين على أدائهم. وهذا يتطلّب تغييراً جوهريّاً في ذهنيّة الناخبين بحيث يسعون من خلال المشاركة في الاقتراع يوم الانتخابات، أكانت نيابيّة أم بلديّة أم نقابيّة، في محاسبة المسؤولين الذين منحوهم ثقتهم عن مدى التزامهم بالوعود التي أطلقوها خلال حملتهم الانتخابيّة وعن مدى التزام سلوكهم الخلقيّة التي يقتضيها التعاطي في الشأن العام.
_ الامتناع عن استخدام الوسائل غير الشرعيّة ( كالرشوة وغيرها) كلّما كانت هناك حاجة للتعامل مع إدارات الدولة. فالمسؤوليّة في إفساد العمل الإداريّ لا تقع على عاتق الموظّف المرتشي فحسب، بل أيضًا على المواطن الذي يحاول إغراء الموظّف بحوافز غير قانونيّة لإنجاز معاملته.
_ التعرّف إلى إجراءات العمل التي يتطلّبها انجاز معاملةٍ معيّنة وكلفة انجازها والمهلة الزمنيّة التي تستغرقها قبل التوجّه إلى الإدارات الرسميّة بغية منع الموظّفين الفاسدين من استغلال جهل المواطنين بالإجراءات الرسميّة، والتصدّي المباشر لأيّ محاولة لخرق الإجراءات المتّبعة. ويمكن للمواطن الاستفادة من المعلومات التي يوفّرها مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإداريّة من خلال بوابة الحكومة الالكترونيّة ، أو من خلال الاتّصال برقم الهاتف 1700www.informs.gov.lbعلى العنوان الالكتروني :
_ التوجّه فوراً الى مكاتب الشكاوى في الإدارات الرسميّة أو إلى التفتيش المركزيّ للإبلاغ عن أيّ حالة من حالات سوء الإدارة. ولا بدّ في هذا المجال من الخروج من الحالة السلبيّة التي تقع فيها الكثير من المواطنين نتيجة عدم ثقتهم بالإدارات الرسميّة والإقدام على اتّخاذ المبادرة والقيام بما يمليه عليهم الشعور بالمسؤوليّة و المواطنيّة.
_ مراسلة نوّاب الأمّة ولفت نظرهم إلى حالات سوء الإدارة وخرق القوانين على أن يكون العرض مدعَّماً بوقائع ومستندات، قدر الإمكان، لكي نؤكّد حقّنا في أن يؤدّي نوّابنا الدور المطلوب منهم في مساءلة الحكومة عن أداء إدارتها بدل الاتّصال بالنوّاب من أجل مصالح شخصيّة ضيّقة.
_ إبلاغ وسائل الإعلام عن الحالات الكبيرة لسوء الإدارة والتي تتجاوز الضرر الشخصيّ لتؤثّر سلباً في المصلحة العامّة بغية التركيز على الإعلام الإداريّ الذي يجب أن يأخذ مكانته بين المواد الإخباريّة.
_ الانخراط في منظّمات المجتمع المدنيّ التي تسعى إلى تنمية المجتمع وتطوير قدراته، أو على الاقل دعمها في تأدية رسالتها، ولا سيّما التي تعمل بصدق على الحدّ من تفشّي ظاهرة الفساد.
_ عدم توفير الفرص التي تتيحها الحكومة للمواطنين للوقوف على رأيهم في قضيّةٍ ما تتناول شؤونهم الحياتيّة، مهما تكن هذه الفرص ضئيلة أو بدائيّة.
_ عدم اليأس من محاربة الفساد والتحلّي الدائم بالشجاعة لمواجهته.
( الدليل إلى المفاهيم العصريّة للحكم الصالح، مشروع الاعلام والشباب، مهنيّة ومسؤوليّة ص 75)

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment