التبويبات الأساسية

منشأ الأحزاب السياسيّة

منشأ الأحزاب السياسيّة

منشأ الأحزاب السياسيّة

الأحزاب ذات المصدر الداخليّ والخارجيّ

مقدّمة:

ان الأحزاب السياسية هي هيئات منظّمة، هدفها قيادة البلاد حسب مبادئ وخطّة وبرنامج بواسطة الحكم. وهكذا نرى أنّ نشوء الأحزاب مرتبط بنشوء النظام الديمقراطيّ، ومن أجل ذلك، توجب علينا التقديم لسلسلة محاضراتنا الدائرة على الأحزاب السياسية، بدرس موجز عن النظام الديمقراطيّ.                                                                    

أمّا قبل ظهور الديمقراطية، التي يعود تاريخها الى قرن ونصف القرن، فلا أثر للأحزاب السياسيّة،                                  ففي عهد الممالك والعاهليّات والخلافات والامارات، لم يكن هنالك أحزاب سياسيّة، كلّ ما كان لم يتعدَّ الحزبيّات المحليّة الداخليّة، ومعظمها عائليّة إقطاعية.                                                                                                                                                                                            

... وهكذا، كانت أيضًا خصومات القبائل العربيّة التي وان قامت في بلد واحد وبيئة واحدة، لم تكن سوى نزاعات قبليّة عائليّة. ومثله في فرنسا قبل القرن التاسع عشر، وفي باقي البلدان الأوروبيّة والأميركيّة وسواها. الأحزاب السياسيّة إذن، النظام الديمقراطيّ، الذي أيقظ في الشعب وعيه بحقّه في ممارسة الحكم، و أمّن له ذلك بتعميم الاقتراع، أوّلاً، ثمّ بتركيز التمثيل على الأسس الحزبيّة السياسيّة.                                                                                                                        

منشأ الأحزاب:                 

وكما أنّ الأحزاب وُلِدت في أحضان الديمقراطيّة، كذلك نراها تترعرع وتتطوّر حسب تطوّر الديمقراطيّة وتقدّمها في نفوس الشعوب وعقولها.

فعندما كان مظهر النظام الديمقراطيّ الاقتراع العامّ وحده، والتمثيل النيابيّ، كانت الأحزاب تنشأ فقط في الأوساط النيابيّة.

وعندما نضجت الروح الديمقراطيّة في صفوف الجماهير، ورسخت ذهنيّة الانضباط والتنظيم، وأخذت النزعة الطبقيّة تنتشر، والمبادئ العقائديّة والاجتماعيّة يتّسع تأثيرها في عامّة الناس، عندئذ رحنا نشاهد ولادة الأحزاب خارج المجالس من الهيئات الشعبيّة، وقد أسمى العلماء هذين المصدرين بالداخليّ والخارجيّ:

الداخليّ وهو الأقدام عهدًا، هو انحدار الحزب من صلب المجالس التمثيليّة.

والخارجي وهو الأحداث عهدًا، هو تكوين الحزب من خارج المجالس النيابيّة، من التجمّعات والحركات الشعبيّة.

وهذا التقسيم، كما أشرت اليه، مرتبط بتطوّر الروح الديمقراطيّة في صفوف المواطنين. طالما هذه الروح على بداوتها، تنبثق الأحزاب عن التكتّلات النيابيّة فقط، وعندما تقوى هذه الروح، وتتقدّم، يضعف اذا لم نقل يبطل انبثاقها عن تلك التكتّلات، لينبثق عن المنتخبين أنفسهم، عن الشعب.

واذا استعرضنا تاريخ الأحزاب في بلدان العالم، لتثبتّنا من صحّة هذه الملاحظة وحقيقتها.

الأحزاب ذات المصدر الداخليّ:

تتكوّن في المجلس النيابيّ كتلة نوّاب وتعمل هذه الكتلة في أوساطها المحليّة، لتؤلّب حولها جماعة انتخابيّة تساندها. هكذا نشأ مثلاً في أيّام الثورة الفرنسيّة حزب اليعقوبيّين: وهم في الأصل نوّاب منطقة بريطانيا الفرنسيّة، الذين نزلوا باريس لحضور اجتماعات المجالس العموميّة: واعتادوا أن يتشاوروا في ما بينهم، ثمّ انضمّ إليهم عدد من نوّاب مناطق أخرى، فاستأجروا قاعة طعام الرهبان اليعاقبة، فحملوا إسمهم.

وهكذا نشأ الحزبان الجمهوريّ والديمقراطي في الولايات المتّحدة: بعض الزعماء النيابيّين تآلفوا في وحدة نظاميّة، وراحوا يتنازعون الكراسي النيابيّة في الدورات الانتخابيّة، فيتسلّم الحكم من ينال العدد الأكبر من المقاعد.

وهكذا نشأت عندنا الكتلتان الدستوريّة والوطنيّة : عدد من النوّاب تجمّعوا و ألّفوا حزبًا، يخوضون الانتخابات على لائحة واحدة، ويتوزّعون الحقائب الوزاريّة في الحكومات. نرى في تلك الأحزاب كلّها أنّ الدور كلّ الدور، يلعبه النوّاب أو المرشّحون للنيابة والوزارات، وأنّه ليس لعامّة الشعب أيّ دور أو اشتراك.

ولذلك قلنا انّها المرحلة الديمقراطيّة البدائيّة، لأنّ الشعب لا يزال غريبًا عن معركتها.

وكذلك، نرى أنّ هذه المرحلة قاست، لكونها مرحلة نشوء وتكوين، مصاعب كثيرة وشكت نقائص عديدة. ففي هذه المرحلة، نرى الطموح الشخصيّ للفوز بالنيابة والوزارات، والمحافظة عليها، يسبق كلّ هدف آخر. وكان من الطبيعيّ أن تنحرف الأنانيّة بهذه الحركة عن نصاعتها وتجرّدها الى أسفل الدركات أحيانًا.

فمن أجل الفوز بمقعد نيابيّ أو وزارة لهذا الحزب أو ذاك، لا يرتدع المرشَحون عن التزوير والضغط و الرشوة. وصيت انتخابات25 أيار سنة 1947، ورشوة بعض نوّاب مجلس 1953 للاقتراع ضدّ الوزارة القائمة في حينه، لا يزال صداهما في الآذان. ولا عجب، ففي أرقى البلدان مدنيّة، وأعرقها، عرف تاريخ التمثيل النيابيّ مثل هذا الخزيّ. ويُحكى أنّ الرشوة في المجالس البريطانيّة لعبت دورًا هامًّا في فوز بعض المستوزرين،  ويُحكى أيضًا أنّه نُصب في قاعة البرلمان شبّاك خاصّ لشراء أصوات النواب، وكان يتهافت عليه مَنْ باع صوته لقبض الثمن عند الاقتراع. لا بل حدث أفظع من ذلك، اذ انّ الشبّاك المذكور، أصبح بعد سنة 1714، دائرة رسميّة تابعة للخزينة، مهمّتها شراء الأصوات لفوز المرشّحين للمقاعد الوزارية، فكانت هذه الدائرة تعيّن من تشاء وتؤمّن استمرار حزب الأكثريّة.

تلك أمثلة عن المصدر الداخليّ للأحزاب السياسيّة، بنقائصه التي كانت سبب ضعفه والقضاء عليه.

الأحزاب ذات المصدر الخارجيّ:

ولكن مع تقدّم التربية السياسيّة الديمقراطيّة، أخذت تلك الأحزاب تتلاشى، لتحلّ محلّها الأحزاب ذات المصدر الشعبيّ، الخارجيّ.

ينشأ الحزب هنا من صفوف الشعب، من الهيئات الوطنيّة والحركات والتكتّلات المهنيّة أو الطبقيّة أو العقائديّة. ليس الهدف هنا الفوز فقط بالمقاعد النيابيّة، بل هو قبل كلّ شيء السيطرة على الرأي العامّ، لنشر معتقد وسياسة خطّهما الحزب لنفسه. فالنقابات كانت نقطة انطلاق تأسيس أكثر الأحزاب الاشتراكيّة، كالحزب الاشتراكيّ الفرنسيّ، وحزب العمّال الانكليزيّ، الذي تألّف على أثر قرار اتّخذه مؤتمر النقابات سنة 1899 (وهنا لا بدّ من ملاحظة الفرق بين نشأة الأحزاب الاشتراكيّة الغربيّة، والأحزاب الاشتراكيّة في الشرق الأوسط، كلبنان وسوريا مثلاً، عندنا لا علاقة للنقابات العمّاليّة في نشأة هذه الأحزاب، لا بل نرى، أنّ صفوفها خلت أحياناً من العنصر العمّالي وهذا أحد أسباب ضعف تلك الأحزاب، كما سنبيّن في ما بعد عندما نتكلّم عنها في حينه).

والجمعيات الثقافيّة و الفكريّة، كان لها أثرها في تأسيس الأحزاب، كالفرمسونيّة في فرنسا التي كانت لها اليد الطولى في تأليف الحزب الراديكاليّ. وللحركات الدينيّة فعلها أيضًا، وكلنا يعرف الأحزاب المسيحيّة في أوروبا، في ايطاليا وفرنسا مثلاً، والاخوان المسلمين في مصر.

وللمصالح الاقتصاديّة وزنها أيضًا في إنشاء الأحزاب، كالأحزاب اليمينيّة التي يساندها الرأسماليّون، وكبار الملاّكين. وأخيراً المعتقدات الفلسفية، كالمادّية العلميّة أو الماركسيّة التي توّجه كلّ الأحزاب الشيوعيّة المنتشرة في العالم... .

(يراجع في ذلك، كتابات جوزف مغيزل في النظام وفي الأحزاب وفي العلمانيّة والطائفية، الجزء الأوّل: ص 251)

 

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment