التبويبات الأساسية

La Robe رداء المحاماة بقلم المحامي سليم كريم عيد

  • La Robe رداء المحاماة بقلم المحامي سليم كريم عيد-0
  • La Robe رداء المحاماة بقلم المحامي سليم كريم عيد-1

 فلا يزال يرمز هو الآخر لدى بعض الطوائف الدينيّة والهيئات الاقتصاديّة إلى الدرجة العليا للمركز الذي يحتلّه صاحبه لديها).

       وكان للرداء في حقبة معيّنة جيب من الخلف لكي يضع فيه الموكّل إذا أراد ما تيسّر معه من المال دون أن يعلم المحامي في حينه بمقدار الأتعاب التي وصلته، تلك الأتعاب التي كانت "شرفيّة" Honoraires لا أجرًا، لأنّه لم يكن يحقّ للمحامي أن يقاضي موكّله به.

       وفي إشارة إلى أهميّة الرداء، كان التقليد يقضي بتكليف أحد الأشخاص بحمله ومرافقة المحامي في طريقه إلى المحاكم التي كانت تتشدّد في وجوب تقيّد المحامين بالأعراف المتعلّقة بالرداء الخاص بهم، وفي وجوب احترام الأحكام القانونيّة والنقابيّة الصارمة المتعلّقة بالأصول المهنيّة بصورة عامة.

       وفي أثناء الثورة الفرنسيّة، وتحديدًا في العام 1790، وبالنظر للخطورة التي كان يشكّلها المحامون على الدولة، صدر مرسوم حرّم في مادته العاشرة على "رجال القانون الملقّبين بالمحامين" ارتداء لباسهم المميّز الخاص بهم، بعد إلغاء نقابتهم. ثمّ أعيد الحقّ بارتداء الروب في المادة السادسة من المرسوم الصادر بتاريخ 23/12/1802.

       وكان المحامون قديمًا، بالإضافة إلى لبسهم الرداء، يضعون فوق رؤوسهم شعرًا مستعارًا وقبّعة رمزًا لاستقلاليّتهم أسوة بالقضاء حينذاك الذين كانت لقبّعتهم ولردائهم أهميّة فائقة، إذ إنّ الرومان كانوا، في التشريفات، يقدّمون القضاة على أكبر القوّاد العسكريّين عملًا بالقاعدة القائلة: السلاح يمشي وراء قبّعة القاضي.

       وفي لبنان، استعمل بعض المحامين الطربوش في أواخر عهد الاحتلال العثمانيّ، ومن ثمّ القبّعة في أوائل عهد الانتداب الفرنسيّ، إلّا إنّ استعمالهما ما لبث أن زال.

       إنّ الرداء الخاص بالمحامين في لبنان أسود اللون، مؤلّف من قطعة واحدة من القماش القطنيّ تتجاوز حدود الركبتين، مفتوح من الأمام بحيث يتمّ إقفاله بواسطة أزرار سوداء من أعلى إلى أسفل، أكمامه فضفاضة تغطّي الذراعين وتنتهي أطرافها بنسيج من الحرير الأسود أو الديباج الأملس يزيّنه بعض من الأزرار السوداء، تتدلّى من قبّته ربطة عنق بيضاء مكسّرة، كما ويتدلّى من كتفه اليسرى مشلح أو شال برقعتين: واحدة إلى الأمام وأخرى من الوراء تنتهي كلّ منهما بقطعة واحدة من الفرو الأبيض. وهذا المشلح أو الشال يساعد في تفريق ثوب المحاماة عن سائر الاثواب المماثلة، كالثوب الذي يرتديه رجال الدين حاليًّا، أو ذلك الذي يرتديه الحائزون على الشهادات الجامعيّة في خلال حفلات التخرّج.

       وعليه، لا يجوز للمحامي في أثناء ممارسته للمهنة أن يستبدل الثوب الموصوف أعلاه بلباسٍ أخرٍ، أو أن يستعمل رداء لا يستجمع المواصفات المذكورة، كأن لا يكون لونه أسود، أو مؤلّفًا من قطعتين بدل واحدة، أو أن يقفل من الأمام بواسطة سحّاب بدل الأزرار، أو أن تنقصه ربطة العنق البيضاء، أو المشلح أو الفرو الأبيض... كما لا يجوز للمحامي أن يضيف إلى ثوبه أي زوائد، كأن يعلّق عليه أوسمة أو ميداليّات أو شعارات أخرى، لأنّه بذلك يخرق قاعدة المساواة المنشودة.

ما العبرة من ارتدائه؟

       العبرة الأولى من ارتداء جميع المحامين، بمن فيهم النقيب وأعضاء مجلس النقابة والمتدرّجون والحائزون على شهادة الدكتوراه في الحقوق، ثوبًا موحّد اللون أمام مختلف المحاكم، هي المساواة في ما بينهم لدى مثولهم أمام القضاء، تذكيرًا بأنّ جميع الناس متساوون أمام الله، القاضي الأوّل والديّان الأوحد.

       فعندما يرتديه المحامون تختفي بزّاتهم المتعدّدة والمتمايزة لتظهر فوقها بزّة واحدة موحّدة، مما يستتبع القول بأنّ الرداء الموحّد يذكّر مرتديه بوجوب التواضع إذا ما جنحت به نفسه نحو الكبرياء أو الاستعلاء، وبواجباته المهنيّة بالإضافة إلى واجباته العامة. كما يذكّر عامة الناس بإنّ تحقيق العدالة ليس مجرّد عمل إداريّ رسميّ، وإنّما هو ممارسة لسلطة مقدّسة تفضي إلى الفصل بين الخير والشرّ.

       وارتداء المحامي للثوب الخاص به يخلع عليه وقارًا وجلالًا يفرض على الجميع احترام قدسيّة رسالته... وهناك حسنات إضافيّة لارتداء الروب في قصر العدل، منها تمكين المحامي من تمييز زميله عن غيره من روّاد القصر الذي تعجّ غرفه وأروقته وساحاته بالموظّفين والمتقاضين، كما وتمكينه بسهولة من الدخول إلى القسم المخصّص للمحامين في قاعة المحاكمة ... .

والارتداء يستوجب أن يكون الثوب مقفلًا على الصدر بجميع أزراره، لا أن يسير المحامي به مفتوحًا من الأمام أو ملقى على كتفه أو خلف ظهره. ففي ذلك استهتار فظيع به ومن خلاله بالمحاماة والقضاة معًا. كما يجب أن تتدلّى رقعتا المشلح المنتهيتان بالفرو الأبيض، القصيرة من الأمام والطويلة من الوراء، لا أن تتدلّيا معًا من الجهة الخلفيّة. وإذا أراد المحامي حمل روبه فليجعله على ذراعه.

وغني عن التذكير بوجوب حرص المحامي على نظافة ردائه، وبصورة خاصة، الربطة البيضاء المتدلّية من العنق، كذلك حرصه على أن يكون الرداء مكويًّا وغير مثقوب ولا ينقصه أي من أزراره، وتعليقه فور الانتهاء من استعماله، لا رميه على أحد المقاعد في المكتب ...

( مقتطفات من دراسة منشورة في مجلة العدل 2016 جزء 3 ص 1263 للمحامي سليم كريم عيد )         

ADMIN

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment