اللواء الركن الشهيد فرنسوا الحاج
اللواء الركن الشهيد فرنسوا الحاج
أبصر النور بتاريخ 28/7/1953 في بلدة صغيرة تدعى رميش، بلدة قابعة بسلام عند أقصى حدود لبنان الجنوبيّة. فنشأ مستلهمًا من موقعها الجغرافيّ ومن تربية أهله روح السهر على استقلال وطن الأرز والتضحية في سبيل كرامة شعبه وسيادة ترابه.
أتقن اللغة الفرنسيّة والإنكليزيّة و الإيطاليّة إلى جانب العربيّة.
أنجز دراسته حائزًا على شهادة البكالوريا القسم الثاني فرع الرياضيّات. قبل أن يتطوّع في الجيش بصفة ضابط في المدرسة الحربيّة اعتبارا من 13/11/1972.
تحلّى منذ فتوّته بالمواهب العديدة والخصال النبيلة والشخصيّة الوطنيّة الرصينة. وامتلك خبرة في أكثر من حقل وقطاع جعلت منه رجل المهمّات الصعبة والقرارات الحسّاسة والخيارات الدقيقة.
في 1/8/1975، وبعد أشهر من اندلاع الحرب اللبنانيّة، رقّي إلى رتبة ملازم وراح يتدرّج في المراتب العسكريّة حتى رتبة عميد ركن في تاريخ 1/1/2002، ورتبة لواء ركن بعد الاستشهاد.
من أبرز الوظائف القياديّة التي شغلها:
قائدًا للكتيبة 43 اعتبارًا من 24/2/1984 ولغاية 4/3/1984.
قائدًا للكتيبة 51 اعتبارًا من 5/2/1986 ولغاية 9/8/1992.
مؤسّسًا وقائدًا لفوج التدخّل الثالث اعتبارًا من 10/8/1992 ولغاية 29/1/1996.
قائدًا لفوج المغاوير اعتبار من 29/1/1996 ولغاية 22/7/1999.
مساعدًا لقائد لواء المشاة الثاني عشر اعتبارًا من 6/7/2000 ولغاية 29/11/2001.
مديرًا للاستعلام في أركان الجيش للعمليّات اعتبارًا من 29/11/2001 ولغاية 25/2/2002.
مديرًا للعمليّات في أركان الجيش للعمليّات اعتبارًا من 25/2/2002 ولغاية تاريخ الاستشهاد.
إلى ذلك تابع دورات عدّة في الداخل والخارج منها في فرنسا وأميركا وإيطاليا، كما حاز العديد من الأوسمة و التنويهات والتهاني، منها:
وسام الحرب أربع مرّات.
وسام الجرحى مرّة واحدة.
وسام الأرز الوطنيّ من رتبة فارس.
وسام الاستحقاق اللبنانيّ – درجة ثالثة.
وسام الوحدة الوطنيّة.
وسام فجر الجنوب.
وسام الاستحقاق اللبنانيّ – درجة ثانية.
وسام التقدير العسكريّ من الدرجة الفضّيّة.
وسام الأرز الوطنيّ من رتبة ضابط.
وسام الاستحقاق اللبنانيّ من الدرجة الأولى.
الميداليّة التذكاريّة للمؤتمرات عام 2002.
وسام الإخلاص من الدرجة الممتازة.
وسام الفخر العسكريّ من الدرجة الفضّيّة.
وسام الحرب بعد الاستشهاد.
وسام الجرحى بعد الاستشهاد.
وسام الأرز الوطنيّ من رتبة كومندور.
تنويه العماد قائد الجيش 10 مرّات وتهنئته 24 مرّة.
في أحلك المراحل التي مرّ بها لبنان، وقع الخيار عليه للمساعدة بخبرته وجرأته وصدقيّة انتماءه الوطنيّ في عمليّة تضميد جرح المجتمع اللبنانيّ الممزّق.
من خلال تولّيه مهمّاته، وبعينه الساهرة، شارك في ضبط الأمن وإنقاذ المؤسّسة العسكريّة من أيّ انقسام وشرذمة، متّخذًا القانون مظلّة والتعلّق بلبنان دافعًا. وقد حافظ على مبادئه الوطنيّة طيلة حياته حتّى أصبحت اليوم مدرسة يستمدّ منها اللبنانيّون العبر والدروس.
كانت حرب التحرير وحرب الجيش مع القوات اللبنانية سنة 1989، محوّريّة في حياته وقد عاشها لحظة بلحظة أسوة بكلّ العسكريّين ضبّاطًا وجنودًا، فذاق مرارتها واختبر مأساتها. وإذ آلمه تقاتل الإخوة، بدأ، من حينه، يعبّر عن امتعاضه من السياسة وتلاعب السياسيّين بمصائر اللبنانيّين.
من موقعه القياديّ نجح في التصدّي لكلّ الهجمات على الجبهات، وفي الوقت عينه حرص على التقليل من الخسائر الإنسانيّة والمدنيّة، فكانت أوامره تقضي بأن يحرص الجنود على أرواح المدنيّين وأن تكون عمليّات القصف مركّزة وتنحصر بالضروري منها.
كان حضوره على الجبهات في القليعات ونهر الموت حافزًا لإدخال الحرب في نوع من الثبات والستاتيكو العسكريّ الذي ساعد في نقل الأجواء إلى نوع من التوازن الذي اضفى إلى انطلاق العدّ العكسيّ لنهاية الحرب اللبنانيّة المستمرّة منذ سنة 1975.
في السنة 1976، كان الحاج ملازمًا في حينه، سعت إسرائيل جاهدة لاستمالته. لكنّه رفض. فتعرّض إثر رفضه التعاون معها، لتهديدات عدّة، انتهت بتفجير سيارته في رميش. لكنّه بقي وفيًّا لوطنه ملتصقًا بمؤسّسته العسكريّة. وفضّل مغادرة مسقط رأسه والانتقال إلى بيروت للإقامة فيها، على أن يلتحق بجيش لبنان الجنوبيّ.
نشط منذ سنة 2000 في "إعادة الهيبة إلى المؤسّسة العسكريّة".
تزامن نشاطه هذا، مع انتقاله إلى الشمال حيث بدأت تلوح في أفقه تحرّكات مشبوهة لبعض الظواهر الأصوليّة.
سنة 2002، عيّن مديرًا للعمليّات وبقي يتولّى هذه المهمّة حتّى استشهاده.
أوّل احتكاك عسكريّ مع الإسلاميّين المتشدّدين جرت وقائعه في الضنيّة حيث الصعوبات الجغرافيّة واللوجستيّة وقد تمكّن الحاج من التغلّب على تلك المجموعات الأصوليّة وسجّل يومها، وفق الخبراء العسكريّين، انتصارًا باهرًا.
خرج من تلك التجربة أكثر صلابة وتماسكًا وثقة بالجيش وعناصره، لكنّه في الوقت عينه عبّر عن قلقه من نجاح الإسلاميّين في التغلغل داخل الأحياء الشماليّة الفقيرة. فطالب قيادته بتسهيل انتساب الشماليّين إلى المؤسّسة العسكريّة لإبعاد الخطر الأصوليّ عنهم.
آخر المعارك التي أدارها كانت في حرب مخيّم نهر البارد حيث اتُخذ قرارٌ قياديّ سمح للجيش اللبنانيّ باقتحام المخيّم الفلسطينيّ بعد أن وقع تحت سيطرة جماعة " فتح الإسلام" بزعامة شاكر العبسي.
لقد كان الحاج أحد أكثر الضبّاط حماسةً لخوض تلك الحرب، بعدما استفزّته الأنباء عن نحر الإسلاميّين المتشدّدين لعناصر الجيش.
تولّى إدارة العمليّات في تلك الحرب التي استمرّت ثلاثة أشهر، وتعود أسباب إطالة أمدها إلى النقص في الأسلحة والمعدّات الضروريّة لمثل هذا النوع من المعارك.
من إيجابيّات حرب نهر البارد، إن كان لها إيجابيّات، انّها أضاءت على حاجة الجيش الماسّة إلى العتاد و الأسلحة والتجهيزات وكلّها ملاحظات أشار إليها اللواء الشهيد وحيث قادته على العمل في سبيل معالجتها بعيدًا عن المزايدات السياسيّة والضغوطات الإقليميّة و الشروط الدوليّة.
وقد تحقّقت أمنيته تلك حين صدرت القرارات التي تسمح للجيش اللبنانيّ بالحصول على أسلحة وذخائر وهبتها له جهات عربيّة على رأسها مصر والأردن ودولة الأمارات وجهات أخرى على رأسها الولايات المتّحدة. انتهت معارك مخيم نهر البارد بانتصار كبير للجيش اللبنانيّ لكنّه باهظ الثمن.
ظهر اللواء الشهيد الى جانب قائد الجيش في أكثر من مناسبة. إلّا أنّه عمومًا ظلّ بعيدًا عن الإعلام. وقد تعرّف عليه جمهور الشعب اللبنانيّ في أكثر من مؤتمر صحافيّ لا سيّما ذاك الذي عقده وزير الدفاع لاستعراض حصيلة معارك نهر البارد، حيث تولّى الحاج عرض سير العمليّات وحصيلتها وكانت لافتة تلك العبارة التي ختم فيها مداخلته حين قال:
" إن انتهاء المعارك لا يعني انتهاء الحرب على الإرهاب لأنّ العمليّة مستمرّة وهي تقتضي الجهوزيّة واليقظة والحذر والتصدّي لأيّ أعمال إرهابيّة مستقبليّة".
كان اللواء الركن فرنسوا الحاج من أبرز المرشّحين لتولّي قيادة الجيش خلفًا لقائد الجيش السابق، رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان.
استشهد مع مرافقه في 12 كانون الأول 2007 في انفجار ضخم في بعبدا.
ووري الثرى في قريته الجنوبيّة، حيث بكاه كلّ لبنان وقد رافقت جثمانه الجموع المحتشدة على طول مسار رحلته الأخيرة إلى بلدته الأم رغم الطقس العاصف.
ترك استشهاده أكثر من علامة استفهام لا تزال الإجابة عنها لغزًا دفينًا يعصى علينا فكّ رموزه.
هل هذه العمليّة تأتي فرديّة أم أنّها جزء لا ينفصل من سلسلة الاغتيالات التي طاولت عددًا كبيرًا من رجالات لبنان في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين؟
ما يجعلنا نطرح هذا السؤال، بنوع خاص، هو نوعيّة الاغتيال التي تطال، وللمرّة الاولى وربما الوحيدة، عميدًا في الجيش اللبنانيّ. حدث يوحي بأنّ الخط الأحمر قد تمّ تجاوزه.
عُرف اللواء الشهيد بنزاهته وقوّة شخصيّته وبوطنيّته الصافية.
هو من الضبّاط اللبنانيّين الذين آمنوا بلبنان وطنًا مستقلًّا سيّدًا غير مسموح التلاعب بسلمه الأهليّ ووحدته ومصيره.
لم يقوَ نهر البارد على الشهيد فرنسوا الحاج، إلّا أن برودة كانون كانت له بالمرصاد فاصطادته شهيدًا على طريق بعبدا.
غادر مع مرافقه تاركًا وراءه عيونًا باكية وقلوبًا شاكيةً ووجوهًا تائهة كانت وجدت فيه صخرة خلاص.
(يراجع في ذلك، كتاب "أعلام من بلاد الأرز " للأستاذ أنطوان فضّول، الجزء الثاني 2012 صفحة 186).