تركيب الأحزاب السياسيّة
تركيب الأحزاب السياسيّة:
أوّلاً: الأحزاب المباشرة و المداورة:
... منها من يتّجه الى المواطنين مباشرةً، ويضمّهم الى صفوفه، وهذه هي الطريقة المباشرة، ومنها مَن لا يرضى عوضاً فيه الاّ بواسطة هيئات أخرى، وهذه هي الطريقة المداورة.
في الأحزاب المباشرة، يحقّ لكلّ مواطن أن يتقدّم الى الحزب وينضوي فيه كعضو عامل. أمّا في الأحزاب المداورة، عليه أن ينخرط بالبداية في نقابة مثلاً، أو في جمعية ثقافية، وهذه النقابة أو هذه الجمعية تنخرط بدورها في الحزب، كهيئة منظّمة ذات شخصيّة معنويّة خاصّة، فالحزب لا يضمّ سوى هيئات ولا يضمّ أفراداً بحدّ ذاتهم.
الفرق بين التركيبين
في مالية كلّ نوع. ينشئ الحزب المباشر جباية خاصّة به، ليحصّل اشتراكات كلّ عضو، أمّا في الحزب المداور، فتجبي كلّ هيئة منضمّة للحزب المال من أعضائها، ويكتفي الحزب بجمع مجموع الجبايات.
في أصناف المنضوين: لا يضمّ الحزب المباشر سوى أفراد أرادوا الاهتمام بالأمور السياسيّة العامّة. أمّا في الأحزاب المداورة، فبمستطاع كلّ هيئة سياسيّة أو اقتصاديّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة أو غيرها، أن تنخرط في الحزب دون التدّخل مباشرةً بأمور السياسة، ودورها أن تتقيّد بالتوجيهات العامّة التي يقرّها الحزب المنضمّة إليه.
على هذا المنوال، نشأ حزب العمّال البريطانيّ، وكثير من الأحزاب المسيحيّة التي تضمّ منظّمات الشباب والشابّات. لكنّ هذا الصنف الأخير أخذ يتضاءل، وراحت أكثر الأحزاب، ومنها حزب العمّال الانكليزيّ تقبل في صفوفها الهيئات والأفراد على السواء، وهذا هو المبدأ الذي تبنّياه في الكتائب، اذ نصّت المادّتان الأولى والثانية من النظام العامّ: "يضمّ الحزب السياسيّ أعضاء عاملين و أعضاء محبّذين" و"يجوز أن يلحق به منظّمات ثقافيّة ومهنيّة وتبادليّة ورياضيّة ونقابيّة وفنيّة".
ثانياً : عناصر التركيب الحزبيّ
انّ الحزبيّ لا ينتمي مباشرة الى الحزب، بل بواسطة أجهزته المختلفة. وهكذا نرى في كلّ حزب عنصراً تركيبيّاً أساسيّاً، فمن الأحزاب مَن تبنّى اللجنة، ومنها من تبنّى القسم، ومنها مَن تبنّى الخلية، ومنها مَن تبنّى الفرقة.
اللجنة: وقد أخذت بها خصوصاً الأحزاب الراديكاليّة، تتألّف من عدد محدود من أعضاء لا يهمّه الحشد بل السيطرة الانتخابية، فنراه يتألّف خصوصاً من الوجهاء والتجّار وأصحاب التأثير.
أمّا القسم: فيضم أكبر عدد ممكن من الأعضاء لأنّ غايته الأولى الاكثار من المفوّضين حتّى يكثر مؤيدّو الحزب ومنتخبوه، وقد أخذت به الأحزاب الاشتراكيّة بنوع خاصّ.
أمّا الخلية: فهي الوحدة الحزبيّة الشيوعيّة التي تضمّ عدداً من الأعضاء المنتمين الى مهنة واحدة، والعاملين في وسط مهنيّ واحد، كالمعامل والمكاتب والإدارة.
وأخيراً الفرقة: وهي وحدة عسكريّة أكثر منها مدنيّة، عملت على أساسها الأحزاب شبه العسكريّة كالنازيّة والفاشيّة، وتنظيمها هرميّ كوحدات الجيش.
وهكذا، بينما اللجنة والقسم مرتكزان على أسس جغرافيّة، ترتكز الخليّة والفرقة على أسس مهنيّة ونظاميّة، دون الالتفات الى الموقع الجغرافيّ للأعضاء.
.. .واذا انتقلنا الى ناحية التركيب الإداريّ، رأينا الأنواع التالية:
التنظيم القويّ والتنظيم الضعيف: في التنظيم القوي، تحدّد صلاحيّات كلّ جهاز، بحيث لا يبقى عضو في الحزب بدون مهمّة وارتباط عمليّ. أمّا في التنظيم الضعيف، فيكتفي العضو بالانتماء الى الحزب والخضوع الى قيادة تدير وتوجّه.
نضرب مثلاً على التنظيم القويّ، الحزب المسيحيّ البلجيكيّ، حيث تتألّف إدارته كما يلي: اللجنة الوطنيّة، المؤتمر الوطنيّ، لجنة الدائرة، جمعيّة الدائرة، القسم المحلّي.
وفي الكتائب مثلاً تتألّف من: المكتب السياسيّ، المجلس المركزي، المجلس العامّ المؤلَّف من اللجان الاقليميّة الإداريّة والمؤتمر.
التنظيم العموديّ والأفقيّ: التنظيم العموديّ هو الذي أخذت به الأحزاب الشيوعيّة والفاشيّة والنازيّة، وفيه تخضع كلّ وحدة إلى الوحدة التي تعلوها، من القسم أو الخليّة أو الفرقة، إلى ما يعلوها في المرتبة درجةً درجة حتى بلوغ القمة.
أمّا التنظيم الأفقيّ، فهو المعمول به في الأحزاب التي تتألّف مثلاً من نقابات وجمعيّات وأندية وتعاونيّات عدّة، كلّها على درجة مرتبيّة واحدة، تخضع للقيادة مباشرةً دون المرور برتب متفاوتة.
المركزيّة و اللامركزيّة: وأخيراً لا بدّ من الاشارة الى التنظيم المركزيّ واللامركزيّ في الأحزاب،
فكما أنّ الدولة، إدارة مركزيّة وإدارية لا مركزيّة، كذلك في الأحزاب.
فالمركزيّة هي التي تُخضع كلّ تقرير، مهما كان تافهاً إلى القيادة الرئيسيّة بالتسلسل. واللامركزيّة هي التي تعطي الأجهزة المحلّية بعض الصلاحيّات في نطاق محدّد بحيثُ لا يبقى سوى الأمور الخطيرة ذات الصفة المبدئيّة والتي يقتضي فيها تدخّل القيادة المركزيّة. ويبدو لكم فوراً أنّ هذا الأسلوب التنظيميّ اقتبسته الأحزاب عن الإدارة الحكوميّة. وقد أصبح الجميع في لبنان على اطّلاع عمّا يجول من مجادلات ومشاريع تهدف كلّها الى تعزيز اللامركزيّة في دوائر الدولة.
( يراجع في ذلك كتابات جوزف مغيزل في النظام وفي الأحزاب وفي العلمانيّة والطائفيّة: الجزء الأول: ص 251)