الأب يوسف الشدياق
الديمقراطيّة في المحاماة
... وكنّا نتوقّف عند التعاليم المتنوّعة المستقاة من التجربتين الفرنسيّة واللبنانيّة للمحاماة. وكان يبدو لنا وفي طليعة هذه التعاليم الإرشاد الذي يدعو إلى أن يبقى المحامي حيال القضايا القانونيّة المعهود بها إليه، ايًّا كانت طبيعتها، متحذرًا من الانصياع إلى "العنفوان المسلكيّ": الذي قد يجرّه إلى ما يشبه التقمّص بكلّ قضيّة ويزجّه في الاعتمالات الشخصيّة، كلّما جاءه توكيل في نزاع فيُخشى أن يصبح أكثر ملكيّة من الأصيل. ومن هنا الحكمة في أن يستمسك الوكيل بالاستقلال التام الذي يحول دون أن تتغشّى نظرته للأمور، فيقع في تبعيّة العوامل غير المسلكيّة... تتمة
"بيروت أمّ الشرائع" و"مرضعة القوانين"
تطلّ مدرسة بيروت على دنيا الفقه ظاهرةً فريدة في نوعها. نشأت فازدهرت فتألّقت فدام تألّقها من أواخر القرن الميلاديّ الثاني حتّى أواسط القرن الميلاديّ السادس، ما يفوق ثلاثة قرون ونصف القرن. قلّما عرفت مدرسة في كتب السيرة وفي القصائد وأدب المراسلة، بل في المدوّنات الرسميّة، ما عرفته بيروت ومدرستها من أوصاف لا عهد لنا بها إلاّ في كتب الملاحم والأساطير. حتّى ليكاد ناقلها يُتّهم بالهوس أو المبالغة، مهما تأنّى وشدّ العنان إلى قلمه والكلمات. وقلّما عرفت مدرسة في التاريخ القديم مثيل هذا الاستمرار في التقدّم والارتقاء، أو مصيرًا يضاهي هذا المصير.... تتمة