الخصوصية وكاميرات المراقبة: تصوير شخص دون موافقته - يعتبر مساً بحياته الخاصة
تبين أنه بتاريخ 30/3/2015 قدمت السيدة (ب.د.) إستدعاء أدلت من خلاله أنها اشترت من مالها الخاص منزلاً (...) في منطقة ... وانتقلت للعيش فيه مع زوجها المهندس (غ.م.) في شهر أيلول من العام 2014 وأنها علمت منذ أيام قليلة وعن طريق الصدفة بأنه زوجها قام بتركيب آلات في المنزل سيتم وصلها بعدها لكي تقوم بمهام أي أجهزة إستشعار الحركة وظيفتها إعطاء الإشعار بوجود حركة في المنزل في حال دخول أي شخص كان إليه ولدى سؤاله عن الأمر أعلمها أيضاً أنه سيقوم بتركيب كاميرتين واحدة في الحديقة وأخرى في المطبخ فقط للتعرف على السارق في حال دخوله من حديقة المنزل، وأنه في صباح 14/3/2015 قام والدها بزيارة للمنزل العائد إليها ولم تكن متواجدة في المنزل حينها، فتفاجأ بوجود تقني يقوم بتجربة أجهزة الإستشعار المركبة في كل المنزل لتعديل زوايا التصوير الخاصة بكل واحدة منها بحسب الفيديو الذي كان يبث على التلفاز في غرفة الجلوس ورأى والده نفسه على التلفاز وهو في غرفة الجلوس، كما رأى زوايا أخرى من المنزل أيضاً قام والدها بإعلامها بوجود كاميرات تصوير في المنزل وليس أجهزة إستشعار كما زعم الزوج، وقد واجهت زوجها وسألته عن طبيعة هذه الأجهزة وكان جوابه أنها أجهزة تقوم فقط باستشعار الحركة ، ثم قال أنها تقوم بأخذ صور فوتوغرافية وليعود ويعترف في ما بعد أنها أجهزة إستشعار تحوي كاميرات تصور فيديو بدون صوت، وعند سؤاله عن سبب تركيبه هذه الكاميرات بدون علمها ولا موافقتها المسبقة، قال أنه لو أعلمها مسبقاً لما سمحت له بتركيب الكاميرات، فطلبت منه فكها إلا أنه رفض ذلك معللاً أن الكاميرات غير موصولة ولا تقوم بالتصوير، فأعلمته أنها لا تثق بكلامه هذه المرة خاصة أنها تدري كيفية وصلها وتشغيلها وإطفائها ولا تدري إن كانت تعمل أم لا وأعلمته أنها ستجلب فني كهربائي أو خبير لكي يقوم بنزعها من على الأسقف المستعارة للمنزل، وهنا دبّ الخلاف بينها وبين زوجها وشعرت بأنها مراقبة مراقبة حثيثة في كل خطوة تقوم بها في المنزل مما أفقدها حريتها وإستقلاليتها وراحتها المفروض تأمينها في المنزل الذي يؤمن الراحة والطمأنينة لساكنيه مع العلم أن أجهزة الإستشعار التي تتحول إلى كاميرات مركبة في غرفة النوم الماستر، غرفة النوم الثانية، غرفة الجلوس، الرواق الذي يصل إلى غرفتي النوم وغرفة الجلوس، مدخل المنزل الداخلي والصالونات إضافة إلى الكاميرتين اللتين اعترف الزوج بتركيبهما في الحديقة وفي المطبخ، وأنها فقدت راحتها وهمت بنزع الكاميرات ولكن زوجها هددها بعظائم الأمور إن هي مست هذه التركيبة ونعتها بأبشع النعوت كما جعلها حزينة تخاف النطق بأية كلمة داخل منزلها أو بأن خطوة لعلمها بأن كل تحركاتها وتصرفاتها مراقبة، وقد استمرت محاولاتها بإقناع زوجها بنزع الكاميرات مدة أسبوعين بدون جدوى وكانت تتلقى التهديد والوعيد منه في كل مرة تفتح فيه الموضوع، وقد قامت عندها بتسجيل صوتي تاريخ 25/3/2015 لمحادثة أجراها زوجها معها عن الكاميرات في محاولة منها لدعم الوقائع المذكورة بحيث اعترف الزوج إعترافاً صريحاً وواضحاً بوضعه الكاميرات وبالتهديد والوعيد لها، وأدلت بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعلن أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وأن الدستور اللبناني قد كرس مبدأ الحريات الشخصية في المادة الثامنة منه، وأن المستدعية بعد تركيب الكاميرات والمشاحنات والتهديدات المادية والمعنوية الصادرة عن زوجها تشعر بحالة توتر دائمة لعدم إرتياحها في منزلها نتيجة تساؤلاتها ما إذا كانت الكاميرات موصولة وتراقبها أم لا، علماً أنه لا علم لها بكيفية وصل الكاميرات وفصلها، كما أصبحت بحالة يرثى لها إذ باتت شبه متأكدة بأن زوجها يضمر لها الشر وباتت الثقة بين الزوجين مفقودة وأن إصرار الزوج على عدم إزالة الكاميرات من المنزل يشكل عنفاً معنوياً وتهديد الزوج بإيذاء المستدعية وتكسير المنزل إذا حاولت نزعها يشكل عنفاً نفسياً بحسب تعريف العنف في قانون حماية النساء وكافة أفراد الأسرة من العنف الأسري، وطلبت بالنتيجة إخراج مرتكب العنف من المنزل فوراً وبدون مهلة والسماح لها بتغيير قفل الباب الخارجي للمنزل، وحمايتها ومنع التعرض لها ولجميع أفراد عائلتها القريبة والبعيدة ومكان عملها وأصدقائها ومعارفها والإمتناع عن إلحاق الضرر بمنزلها وأثاثه وسيارتها وأغراضها الشخصية على سبيل المثال لا الحصر، وفي حال حال حصول الزوج على موافقة لأخذ أغراضه الشخصية من المنزل، عدم السماح له الذهاب إلى المنزل بمفرده وإشعارها بذلك،
وحيث ثابت من إدلاءات المستدعية ومن الصور الفوتوغرافية والتسجيل الصوتي المرفق بالإستدعاء، أن زوجها السيد (غ.م.) قد أقدم وبدون علمها ورضاها على وضع أجهزة إستشعار للحركة تلتقط صوراً وذلك في عدة أماكن من المنزل الذي تسكنه مع زوجها في منطقة...، والتي تملكه بحسب القيود العقارية،
وحيث أن الأماكن التي تتواجد فيها الكاميرات المذكورة تتوزع بين غرفة النوم الماستر، غرفة النوم الثانية، غرفة الجلوس، الرواق الذي يصل إلى غرفتي النوم وغرفة الجلوس، مدخل المنزل الداخلي والصالونات إضافة إلى الحديقة والمطبخ،
وحيث أن المادة الثامنة من الدستور تنص على أن "الحرية الشخصية مصونة في حمى القانون..."
وحيث أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد مبدأ عدم جواز التمييز، ويعلن أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق...".
وحيث أن الحفاظ على كرامة الإنسان يتم من خلال إحترام حياته الخاصة، والأماكن التي يعيش فيها، بحيث لا تكون خصوصياته معرضة للإنتهاك، ما يؤدي بدوره إلى إنتهاك كرامته،
وحيث أن المبادئ المذكورة تستتبع القول بأن للإنسان الحق في الحياة الخاصة، والحق في الصورة، بمعنى أن لا يكون الإنسان معرضاً لإلتقاط صورته، من خلال التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو بدون موافقته، وذلك في معرض ممارسته لحياته الخاصة أو أثناء تنقله، ولا سيما أن حرية التنقل مصانة ايضاً في الدستور.
وحيث أن الحق بالصورة هو حق يتمتع باستقلالية تامة ضمن إطار الحقوق الشخصية، وأن الإجتهاد السائد في مجال الحق في الصورة يرتكز على حماية الحق في الحياة الخاصة بقدر ما يرتكز على الحق في الشخصية، وأن الحق في الحياة الخاصة يفترض الحق في طمأنينة الحياة الخاصة أي الكرامة الإنسانية.
يراجع في هذا المعنى الأستاذ أندريه برتران والدكتور نقولا فتوش، الحق في الحياة الخاصة والحق في الصورة ، (المنشورات الحقوقية صادر، 2003، ص 197-198).
وحيث أن إقدام زوج المستدعية على وضع كاميرات داخل غرفة النوم وغيرها من غرف النوم والجلوس والمطبخ في المنزل الزوجي الكائن في ... بدون موافقة المستدعية المالكة للمنزل بحسب قيود السجل العقاري وامتناعه عن إزالتها بالرغم من مطالبتها إياه بذلك، لا بل تهديدها في حال أقدمت على إزالة تلك الكاميرات، يشكل تعدياً واضحاً على الحق في الحياة الخاصة للمستدعية وعلى حقها في الصورة، الذي يبقى حقاً قائماً حتى بين الأزواج، ولا يسقط بمجرد قيام الرابطة الزوجية، ولا سيما أن الحق المذكور مرتبط بشخص الإنسان مهما كان وضعه العائلي، وهو حق غير قابل للتداول إلا في شقه المتعلق باستثمار الصورة، الأمر الخارج عن إطار الإستدعاء الراهن.
وحيث أن تصرف زوج المستدعية المشار إليه أعلاه يشكل إنتهاكاً لحق الزوجة في الحياة الخاصة وفي الصورة، ويشكل بحد ذاته أحد أشكال العنف المعنوي،
وحيث أن إجتهاد هذه المحكمة قد درج على إعتبار أن العنف المعنوي هو أحد أشكال العنف الأسري وذلك إستناداً إلى مجمل أحكام المعاهدات الدولية التي انضم إليها لبنان ولا سيما منها شرعة حقوق الإنسان وإتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، فضلاً عن مبادئ القانون الطبيعي التي ترعى جميع المجتمعات المتحضرة.
وحيث أن المحكمة ترى على ضوء ما تقدم إتخاذ التدبير المناسب على ضوء ظاهر معطيات الملف الواقعية وذلك إستناداً إلى المبادئ العامة المعروضة أعلاه، وإلى بعض أحكام قانون العنف الأسري رقم 293/2014 ولا سيما منها المادة 14،
وحيث أن المحكمة ترى الترخيص للمستدعية بإزالة جميع الكاميرات الموضوعة في المنزل موضوع الإستدعاء وذلك تحت إشراف المحكمة.
وحيث أنه وفي المقابل، إن المحكمة وعلى ضوء الحالة المشكو منها لا ترى مبرراً لتقرير إخراج الزوج من المنزل المذكور،
وحيث أن المحكمة ترى منع الزوج من التعرض للمستدعية أو لسائر أفراد أسرتها، وكما ومنعه من إلحاق الضرر بموجودات المنزل وسيارتها وأغراضها الشخصية....
القاضي المنفرد الناظر بالدعاوى المستعجلة في المتن - رقم 112 تاريخ 2/4/2015.
القاضي أنطوان طعمة.
منشور في: (أصول محاكمات مدنية - قاضي الأمور المستعجلة - المستشار المصنف (المدني)الالكتروني 2015 )