المحامون جنود القانون
لو كان بالإمكان إقامة مثل هذه الحفلات تحت شجرة العدليّة، تلك الشجرة التاريخيّة الّتي يحنّ إليها كلّ محامٍ مهما تقلّبت عليه الظروف.
وثقوا أيّها السادة أنّ ذكرى دار العدل لا تفارقني يومًا كما أنّني أفتخر بالانتماء إلى القضاء وإلى المحاماة، وأرجع بالذكرى إلى أيّام حلوة لذيذة قضيتها في قاعات القصر قاضيًا ومحاميًا ونقيبًا.
ذلك أنّ مثل هذه المهمّات تترك في النفس طابعًا لا يمحى يوثّر في أعمال الحياة كلّها، وقد يعدّ بعضهم هذا الطابع ضعفًا في الرجل السياسيّ حالة كوننا نرى فيه، نحن زملاءكم الموجودين في الحكم، منارة تهدي الضمير إلى السراط المستقيم وتسدّد الخطى إلى طرق الحقّ.
وقد شاءت العناية أن تقام هذه الحفلة لزملائكم ورفاقهم في الوزارة بعد الأحداث الأخيرة الّتي برهنت أنّ في المحامين متى اقتنعوا بالواجب، صلابةً لا تتزعزع وثباتًا لا تقوى عليه القوى الجامحة.
إنّ لبنان أيّها السادة وضع في عنقنا أمانةً هي أمانة استقلاله ودستوره وحرّيّاته العامّة والخاصّة وكرامته وعزّته الوطنيّة، فكان لزامًا علينا أن نحافظ على هذه الأمانة الغالية، وقد نفذ إلى قلوبنا ما أظهرت الأمّة في جميع طبقاتها من أمان وكان المحامون في المقدّمة. وقد عرفنا ما بذل من تضحيات في هذا السبيل وما برز للعيان من تضامن وطنيّ ووعي وتوحيد كلمة ووحدة صفوف ليعود الحقّ إلى نصابه.
فكيف كان يمكننا، ونحن أبناء القانون، أن نقبل بطعن القانون أو جزء منه، كيف كان يمكننا، ونحن خارجون من قصر العدل، أن نقبل بانتقاص العدل، فكان ما رأيتم وكان ما شاءت الأمّة وما كانت تنتظره من أبنائها، وقد أخذوا على أنفسهم أن لا يخونوا لها عهدًا ولا يخفروا لها ذمّة أو يقلبوا لها ظهر المجن حاشا ثمّ حاشا.
فخرج لبنان، لبنان العزيز الّذي نفديه بالأرواح بعد هذه الهزّة العنيفة بفضل ما ظهر من تضامن أبنائه وعطف الدول الحرّة العظمى والدول العربيّة الشقيقة عليه، بل بفضل العطف العالميّ على قضيّته، وبفضل العناية الربانيّة، موفور الكرامة مرفوع الرأس مرصوص البنيان مدعوم الكيان، ذلك أنّه لم يعد فيه الاّ لبنانيّون لا يفرّق بينهم دين أو طائفة أو مذهب أو نزعة أو حزب أو ميل أو غرض، بل هم وطنيّون أقحاح عرفوا قيمة الوطنيّة والكرامة القوميّة فبلغوا في أيّام ما عجزت عنه السنون.
ونقول أيّها الزملاء الأفاضل، وهذه هي كلمة الختام أنّ زملاءكم في الحكم يحنّون إلى مهنتهم الأولى على حد قول الشاعر:
" نَقِّلْ فوادَكَ حيثُ شِئْتَ من الهوى ما الحبُّ إلّا للحبيبِ الأوَّلِ"
" كَمْ منزلٍ في الأرضِ يألَفُه الفتى وحَنينُهُ أبَدًا لأوّلِ مَنزلِ "