التبويبات الأساسية

الأب يوسف الشدياق

  • الأب يوسف الشدياق-0
  • الأب يوسف الشدياق-1
  • الأب يوسف الشدياق-2

       ولد في حارة البطم _ حدث بيروت في 14 آب من العام 1869، دعي يوسف منصور عبّاس أبي مروّه الشدياق، أمّه فتنة بنت شبل سليمان أبي مروّه، وهي ابنة عمّ زوجها.

       قبل أن ينجز يوسف عامه السابع توفّي والده منصور بالتيفوس، فتولّى أمره عمّه داود الشدياق، أحد وجهاء الحدث. وفي بيت عمّه تعرّف يوسف إلى وجوه كثيرة حفظ عنها الحكايات والأمثال وأخبار الحكّام والأمراء وما قيل عن المذابح والمجازر التي حدثت في الشوف بين المسيحيّين والدروز خلال فتنتيّ 1840 و1860.

       تعلّم يوسف، في مدرسة "حارة البطم"، اللغة العربيّة والخطّ، على يد الاستاذ شاهين بلّان، والد سليم بك بلّان. وفيها تميّز يوسف عن سواه بالهدوء والإصغاء التام، اللذين سهّلا عليه الاستيعاب، حدا ذلك العم داود أن يرسله إلى مدرسة "مار لويس _ المزار" في بلدة غزير، حيث بقي ثلاث سنوات ليخرج متأثّرًا بالقديس الأيطاليّ لويس غونزاغا، شفيع الشبيبة، فكان أن عزم، على دخول الرهبنة، لكي يعود، فيما بعد، إلى مسقط رأسه، كاهنًا يخدم بلدته والمنطقة التي كانت تفتقر حتّى ذلك الوقت إلى مدرسة حديثة.

وعندما قرّر يوسف الشدياق السير على طريق القدّيسين، اتّخذ من القدّيس أنطونيوس الكبير، كوكب البريّة، مثله الأعلى. فالتحق بالرهبنة الأنطونيّة وهو بعمر 16 سنة.

توشّح يوسف بثوب الابتداء في دير القلعة _ بيت مري لسنة واحدة لا غير، وكان معلّمه الأب طوبيّا أبي زيد. ثمّ لبس الإسكيم الملائكيّ في 6 تشرين الأوّل من العام 1884، أحد تذكار الورديّة المقدّسة. ومن هناك أرسلته الرهبنة إلى مدرسة قرنة شهوان الشهيرة في عصرها والتي تخرّج فيها نخبة من الكهنة الموارنة، الذين خدموا الطائفة خدمات جلّى. وكان أستاذه في اللغة العربيّة الخوري نعمة الله داغر من بكفيّا، وأستاذ الفرنسيّة، نجيب الداي.

ولمــّا أتمّ يوسف دروسه في قرنة شهوان بنجاح لفت نظر رؤسائه وأساتذته، أدخلته الرهبنة مدرسة الحكمة أشهر المدارس اللبنانيّة آنذاك. فتعمّق في الآداب العربيّة وفي المنطق على يد الشيخ عبدالله البستاني الكبير وفي الفرنسيّة على يد الأمير ملحم شهاب من كفرشيما.

بعد مرور خمس سنوات على دخوله الرهبنة، استحقّ يوسف بركة سيادة المطران يوسف مسعد، ورسم كاهنًا في 3 أيّار من العام 1889 في كنيسة بكركي وكان عمره 20 عامًا فقط.

بدأ الأب يوسف الشدياق حياته الكهنوتيّة في ميتم مار يوسف _ بيروت، حيث خدم راهبات المحبّة مدّة سنة واحدة. ولمــّا طُلِب إلى القدس، ليكون مديرًا لمدارس الفرنسيسكان، رفضت الرهبنة أن ترسله إلى هناك ورفض هو أيضًا ذلك، لأنّه كان يطمح في أن يرجع إلى بعبدا حيث الحاجة كانت ماسّة إلى كاهن نشيط. وبطلب من المطران يوسف الدبس، عيّنه الرئيس العام للرهبنة الأنطونيّة الآباتي سمعان بلّوني مديرًا لمدرسة رعيّة بعبدا، فبقي فيها من العام 1891 إلى 1893، وأظهر براعة، في الإدارة، وأمانة لرسالته، وإخلاصًا لتلامذته، ومودّة للأساتذة الذين عاونوه. إلّا أنّ المدبّر عمّانوئيل البعبداتي ارتأى أن يتسلّم الأب الشدياق إدارة مدرسة الرهبنة في مار شعيا، فكان له ما أراد، وتولّى الأب الشدياق إدارة هذه المدرسة من العام 1893 إلى العام 1901، نال خلالها، إعجاب رؤسائه وزملائه المعلّمين، ومحبّة طلابه الذين تعلّقوا به.  

وعندما انتخب المدبّر عمّانوئيل البعبداتي رئيسًا عاماً، عُيّن الأب يوسف أمينًا للسرّ العام، فاضطرّ أن يبقى في المسؤوليّة، يدير مدرسة مار اشعيا، إلى أن انتهت السنة الدراسيّة، ليذهب رئيسًا لدير مار بطرس وبولس في قطّين، قضاء جزّين، حيث مكث حتّى أواخر عام 1902.

كان الأب يوسف في العقد الرابع، وكان ممتلئًا حيويّة ونشاطًا. انتخب مدبّرًا عام 1904، وبقي يخطّط ويدرس كيفيّة تنفيذ مشاريع عديدة كانت تجول في خاطره. وفي عام 1905 ساعد في إصلاح دير مار أنطونيوس _ بعبدا وفي حفر الناعورة الشهيرة بخراج حارة البطم، ونقب الأرض في أسفلها وسمّي "الكوع" المؤدّي إلى الحدث باسمه، فعرف بكوع المدبّر.

في عام 1906 بدأ ببناء مدرسة مار يوسف في بعبدا عام 1911 اشترى مطبعة بمساعدة الآباتي لويس عبيد، ونال امتيازًا لمجلة كوكب البريّة. وفي العام نفسه، جرّ مياه عين الدلبة إلى الساحل، واشترى جميع الأملاك الخاصّة بالنبع.

ومن العام 1920 إلى آخر حياته ظلّ في دير مار أنطونيوس _ بعبدا.

عرفه المؤرّخ المرحوم يوسف ابراهيم يزبك عن كثب فقال فيه: " احترمه الوجهاء والضعفاء، وآمن به المحتاجون مصلحًا ورائدًا. فكان احترام عارفيه له يغطّي على اسمه، اذ بات يُعرف بـــــ " المحترم"، في بعبدا كما في الجنوب وبيروت، وهو، عند رؤسائه واخوانه الرهبان، الكريم العقل والقلب واليدّ. فمتى قيل: "ذهب المحترم" أو قيل "أمر المحترم"، عرف السامع أن الذاهب والآمر إنّما هو الأب الشدياق. وكان يتبادر هو، إلى الذهن مع هذا النعت في حين أنّ معه في الدير محترمين آخرين. ولعلّ وقاره، ورجوليّته، وطيبته، وأريحيّته، ووطنيّته، هي السجايا الفذّة التي فرضت أن يكون "المحترم" بين المحترمين، وأن يحصر النعت به".

ترك الأب المدبّر يوسف الشدياق إلى جانب المدرسة والمجلّة، أثرًا أدبيًّا غلب عليه الطابع السياسيّ والوطنيّ، فلم تشغله المشاريع الكثيرة عن الأدب والمطلعة والبحث.

ففي دير مار اشعيا  كتب "الشاب التائه" و "مار اشعيا". ومن بعبدا، سطّر مقالات سياسيّة وأدبيّة نشرها في مجلّة "الراصد"، بين العام 1930 و 1933، وفي مجلّة "العاصفة" تحت اسم "شاهد عيان". ثمّ أنّه عرّب عن اللغة الفرنسيّة حياة مؤسّسة راهبات الراعي الصالح، ونقّح بعض الكتب خصوصًا كتاب "الصادق في خدمة الحقائق" للآباتي عمّانوئيل البعبداتي الأنطونيّ. ووضع أيضًا كتاب "عرف العرفان في مديح السلوان"، جمع فيه بعض شوارد التهاني عربيًّا وسريانيًّا وفرنسيًّا من منظوم ومنثور بمناسبة تقليد الوسام المجيديّ الثاني للمطران نعمة الله سلوان رئيس أساقفة أبرشيّة قبرص المارونيّة.

كذلك ترك مخطوطات في تاريخ العيال اللبنانيّة وموضوعات مختلفة.

عاش الأب يوسف الشدياق حياته الرهبانيّة تقيًّا أمينًا مخلصًا شجاعًا صبورًا، وحمل الرسالة الأنطونيّة في قلبه وعقله إلى آخر نسمة من حياته، فتوفّي برائحة القداسة في 9 أيّار من العام 1941، ودُفِن في دير مار انطونيوس _ بعبدا.

(يراجع في ذلك، كتاب دير مار انطونيوس الكبير _ بعبدا، للأب مارون الحايك الأنطونيّ، 1993 ص 91)       

   

ADMIN

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment