التبويبات الأساسية

الأخوان محمد وأحمد فليفل

  • الأخوان محمد وأحمد فليفل-0
  • الأخوان محمد وأحمد فليفل-1
  • الأخوان محمد وأحمد فليفل-2
  • الأخوان محمد وأحمد فليفل-3

من مآثرهما معظم الألحان العسكريّة اللبنانيّة وبرامج في الإذاعة اللبنانيّة منذ ما قبل الاستقلال حتّى 1975، ومجموعة من الكتب التي تحتوي عشرات الأناشيد مع نوتاتها. شاركا الشاعر رشيد نخلة في وضع تفاعيل النشيد الوطنيّ اللبنانيّ. اكتشفا موهبة الطالبة نهاد حداد التي غدت فيروز.

من الأناشيد التي لحّناها: سوريا يا ذات المجد عام 1923، في سبيل المجد 1923، نشيد عبد الكريم الخطابيّ عام 1926، الفخر في بلادنا 1927، نشيد موطنيّ عام 1928، نحن الشباب عام 1936، ونشيد العروة الوثقى عام 1939، نشيد العلى للعرب عام 1940، نسور العرب 1940، نشيد الدرك عام 1943، نشيد الجيش 1948، نشيد الشجرة الرسميّ 1944، نشيد المغترب عام 1944، نشيد تشرين عام 1944، نشيد الطلائع عام 1944، نشيد الكتائب عام 1944، نشيد النجّادة عام 1944، نشيد الكشّاف عام 1945، نشيد المقاصد عام 1948، نشيد العامليّة عام 1948، نشيد الطفل الرسميّ عام 1952، نشيد الأم الرسميّ عام 1952، نشيد معزوفات الأبواق والطبول عام 1968، أناشيد جميع قطع القوات المسلّحة في الجيش اللبنانيّ عام 1968، نشيد الكشاف العربيّ عام 1974. وسواها من الأناشيد الوطنيّة والقوميّة والعسكريّة والتربويّة والدينيّة.

من مؤلّفاتهما: نسيم الصباح بجزئيه الأوّل والثاني للبيانو، وكتاب الأناشيد العربيّة والفرنسيّة المصوّر، وكتاب الأناشيد الوطنيّة والعربيّة والسوريّة، وكتاب الأناشيد الوطنيّة وكتب أناشيد الاستقلال والمجموعة التربويّة لأقسام الحضانة التجهيزيّ الإعداديّ الابتدائيّ.

في السنوات الأولى من القرن العشرين ولد الأخوان فليفل وعاشا فتوّتهما في أسرة تألّفت من أب وأم فاضلين وخمسة أولاد وثلاث بنات وفي جوّ عام يجمع التناقضات ويعبق بالتحوّلات.

هيمنة عثمانيّة على كلّ مفاصل الحياة بدأت تتحلّل مع انهيار أساسات السلطنة وإحاطة الأطماع الاستعماريّة بها تنتظر لحظة سقوطها لتنهش جسدها المهترئ قطعة قطعة.

وبالمقابل روح ناهضة ثائرة تتفتّح براعمها داخل المجتمعات العربيّة تبشّر بمستقبل ينحو منى الاستقلال والوحدة والنهضة والتغيير، في لحظات مفصليّة وتاريخيّة في تاريخ لبنان والعالم العربيّ كان يعيشها الشعب في رحلة دخوله بوّابة القرن العشرين.

في هذه الأجواء نشأ الأخوان فليفل يجمعان في يد إرادة النهضة والتغيير والتمسّك بالقيم والمبادئ وفي الأخرى حبّ العطاء للوطن والأمّة والمجتمع والإنسانيّة.

على هذا التقاطع أراد والداهما أن يقفا ويرسما طريق مستقبلهما، والوالد سليم عبد الله فليفل والوالدة زكيّة ديب صبرا إبنة الإسلام القويم وصاحبة الصوت الشجيّ، أجمعا على أن يثقّفا أولادهما ثقافة موسيقيّة مطعّمة بروح إسلاميّة ووطنيّة.

مع الإشارة إلى انّ دراسة الأخوين فليفل توزّعت بين مدرسة النّجاح في البسطة التحتا والمقاصد الخيريّة ومدارس المعارف ودير المخلّص حيث تعلّما أصول استعمال آلات النقر والقرع والأبواق والطبول والصنوج.

منذ صغرهم والأساتذة اللبنانيّون والأجانب والموسيقيّون الكبار يؤمّون منزلهما يلقّنانهما مبادئ الموسيقى والسولفاج والهرموني فيدرسان العزف على مختلف الآلات الوتريّة والأدوات النحاسيّة وعلى الكلارينات والفلوت والترونبات والساكسوفون والطبل والطنبور والصنج ويتمّرسان على البيانو.

من الأساتذة الذين أشرفوا على تدريسهم وإبراز موهبتهم الفنّان يوسف أفندي، فريدريك زينللي، الأب مارون الغصن، الأستاذ بشارة فرزين ومدام شلالا.

كانت الفرقة الموسيقيّة التركيّة تمرّ أمام منزلهما في الأشرفيّة متوجّهة إلى شارع السيوفي تعزف المارشات التركيّة وكان والدهما يصطحبهما يوميّا إلى محلّة جسر الباشا ليشاهدا بحضور المتصرّف موسيقى المتصرّفيّة. مشهدان ضاعفا في نفسيهما تعلّقهما بالموسيقى لا سيما الرسميّة منها والأوركستراليّة. وقد زاد في ثقافتهما الموسيقيّة وجودهما في دار النجاح التابع لجمعيّة المقاصد الإسلاميّة حيث تلقّيا دراستهما، قبل أن ينتقل محمد إلى دار المعلّمين التركيّة في بيروت لمتابعة دراسته ثمّ يغادر لبنان إلى إسطنبول ويلتحق سنة 1916 بالمدرسة الحربيّة في استنبول ليتخرّج عام 1919 برتبة ضابط في لواء المشاة في الجيش التركيّ مشبعًا بالفنّ الموسيقي التركيّ، في وقت كان شقيقه أحمد يتابع دراسته الموسيقيّة في الكونسرفاتوار التركيّ في بيروت.

بالتزامن مع طيّ صفحة الحرب العالميّة الأولى وبعد أن قدّم محمد استقالته من الجيش التركيّ انطلق مع أخيه أحمد في رحلة الألف ميل التي بدأت بخطوة تأسيس فرقة موسيقيّة سنة 1924 بعد أن انضمّ إليهما شقيقهما الأصغر عبد الرحمن وشباب وأصدقاء تميّزوا بصوتهم الجهوريّ. وهذه الفرقة التي أطلقوا عليها اسم موسيقى الأفراح الوطنيّة والتي اشتهرت بين العامة بمزّيكة فليفل، كانت تجري تدريباتها في حديقة منزلهما في منطقة البسطه الفوقا وسرعان ما بدأت تنظّم الحفلات وتشترك في المناسبات، وقد أصبحت فيما بعد موسيقى الدرك اللبنانيّ بناءً على مرسوم صادر سنة 1942 وقّعه رئيس الحكومة آنذاك سامي الصلح فارتدى أعضاؤها الثياب العسكريّة وعُيّن محمد برتبة ملازم وأحمد برتبة ملازم أوّل هكذا ولدت على يديهما موسيقى الدرك اللبنانيّ وبدأ العسكر اللبنانيّ يسير على وقع ألحانهما. في هذه الفترة أي في أوائل العشرينيات وبدايات عهد الانتداب الفرنسيّ، عُيّنا معلّمين للرياضة والموسيقى في مدارس المعارف والمقاصد والعامليّة ودرّسا مادة الموسيقى في الكونسرفاتوار الوطنيّ ودور المعلّمين.

وفي الوقت عينه أكملا تعميق دراستهما في الموسيقى وحازا شهادة تخصّص في العزف على الفيولونسال سنة 1931 من الكونسرفاتوار الموسيقيّ تحت إشراف مديره آنذاك وديع صبرا ملحّن النشيد الوطنيّ.

قدّما حلقات وطنيّة وتربويّة على الإذاعة اللبنانيّة من عام 1939 لغاية عام 1974. وبعد تقاعدهما استمرّا في ممارسة تعليم الموسيقى في دار المعلّمين والمعلّمات الرسميّة وفي معاهد المقاصد.

سنة 1923 أبصر النور مولودهما الفنّي الأوّل نشيد "سوريا يا ذات المجد" بعد أن كان لبنان وسوريا بلدًا "واحدًا" قبل أن تتتابع سلسلة الأناشيد الوطنيّة والقوميّة والثوريّة التي أغنوا بها مكتبتنا الفنيّة الموسيقيّة العربيّة وارتدت رداء العالميّة.

سنة 1935 استدعت الحكومة العراقيّة الموسيقار محمّد فليفل للعمل في العراق على إصلاح الأناشيد التربويّة المدرسيّة في دور المعلّمين العراقيّة. وسنة 1942 قرّرت الحكومة اللبنانيّة أن تنقلهما من وزارة التربية إلى سلك الدرك في وزارة الداخليّة حيث أوكلت إليهما مهمّة تأسيس الموسيقى الوطنيّة.

إلى ذلك يعود لهما الفضل في إطلاق سنة 1943 البيت الموسيقيّ الذي يعرف اليوم بنقابة الموسيقيّين اللبنانيّين .

         سنة 1944 لمناسبة العيد الأوّل للاستقلال طلب منهما رئيس الحكومة وضع نشيد لافتتاح العرض العسكريّ، فوضعا نشيد تشرين.

         أمّا عربيًّا، فعلى يديهما تأسّست سنة 1952 موسيقى الحرس الملكيّ السعوديّ بطلب من الملك عبد العزيز آل سعود. كذلك سنة 1958 جمعهما لقاء بالزعيم العربيّ الراحل جمال عبد الناصر خلال تقدّمهما إلى مباراة اختيار النشيد الوطنيّ المصريّ الجديد واستمع الرئيس عبد الناصر إلى نشيد الأخوين فليفل وأعجب به كثيرًا " فطلب أن يسمّى نشيد الشعب العربيّ وأن يذاع يوميًّا على أثير إذاعة صوت العرب.

         تخطّت موسيقاهما الحدود اللبنانيّة وتمدّدت على طول مساحة العالم العربيّ وشوارع عواصمه وأحيائه.

         ما يزيد من الألفي لحن وطنيّ وقوميّ ونشيد حماسيّ من توقيع الأخوين فليفل انتشرت حتّى المغرب العربيّ واعتمدت من قبل حكومات ووزارات التربية. ردّد الشباب اللبنانيّ والعربيّ أناشيدهما.

         قال فيهما الشاعر جورج غريّب "كان العبقريّان محمّد وأحمد صاحبي مدرستين واحدة في دنيا الفنّ وواحدة في عالم الكلمة. من حيث الأولى كانا رائدين في تلحين النشيد وبنائه وهندسته حتّى يغدو عالميّ المستوى... ومن حيث الثانية كانا ضليعين بأسرار الحرف والمحافظة والتركيب والبلاغة".

         وقال فيهما الموسيقار سليم محمّد "حمل والدي وعمّي البندقيّة والنغم جنبًا إلى جنب رسالة وواجبًا يؤدّيانهما نحو وطن الأرز والخلود الذي خلّد وتخلّد بألحانهما وأناشيدها".

         على يديهما تخرّج الكثيرون من المطربين والمطربات أمثال لور دكّاش، نور الهدى، توفيق الباشا، فيروز، محمّد البكّار ومحمّد سلمان وصابر الصفح ومصطفى كريديّة. تعلّمت فيروز من الأخوين فليفل أصول الإنشاد والتجويد القرآني والنطق السليم ومخارج الكلمات وهي طالبة في مدرسة حوض الولاية في زقاق البلاط.

         ويبدو أنّ دور محمّد فليفل كان مركزيًّا في إقناع والد نهاد حدّاد التي غدت فيما بعد فيروز سفيرتنا إلى النجوم، بالدراسة الموسيقيّة في منزل الأخوين فليفل لمدّة أربع سنوات وفي تكوينها الفنّي، وتقديمها إلى الإذاعة اللبنانيّة حيث سمع صوتها حليم الرومي مدير القسم الموسيقيّ آنذاك للمرّة الأولى.

         كان الأخوان فليفل يبحثان عن كلّ شعر وقصيدة تحوي معاني العزّة والعنفوان وترسّخ قيم الحضارة والأخلاق وتنعش روح الوطنيّة وحبّ الأوطان فيحّولانها نشيدًا يحفظانها في كتاب ممهورة بنوتات. بالمقابل، تسابق كبار الشعراء على الغرف من منجمهم، بدءًا ببشارة الخوري الأخطل الصغير مرورًا بعبد الحليم الحجّار، سابا زريق، نجيب ليان، شبلي ملاّط، ابراهيم طوقان، سعيد عقل، نسيم نصر، عمر ابو ريشة، عبد الرحيم الخطيب، جورج سالم، جورج غريب، محمّد جواد، أحمد الصافي النجفي، خليل مردم بك، د. علي شلق، د. حبيب ثابت، عارف ابو شقرا، حليم دموس، سلام فاخوري، جميل الخطيب، أمين تقيّ الدين، محمّد يوسف حمّود، عبدالله سلامة، محمود استيتيّة، رياض معلوف، الشيخ مصطفى غلاييني، يوسف أبو رزق، جبرايل فيّاض، وديع عقل، عمر فرّوخ، شفيق جبرايل، الشيخ أحمد يوسف حمّود وغيرهم ...

         لم يكونا موسيقيّين فحسب بل ثائرين. حاولا وصل الحاضر بالماضي من خلال استنهاض الهمم وتخليد روح الأمّة وعزّتها وكرامتها. لحّنا لكلّ العرب من المحيط إلى الخليج. وعبّرا بألحانهما عن حالة الوعي القوميّ والثورات على الاستعمار والتوق إلى الحرّية والاستقلال والسيادة والوحدة.

         تزامنت حركتهم مع تحوّلات جوهريّة عرفها العالم العربيّ بدايةً من خلال تحرّره من الاحتلال العثمانيّ وصولاً إلى وقوعه في قبضة الانتداب والاستعمار ولاحقًا إلى زمن انبعاث الروح الوحدويّة العربيّة.

         توالت أناشيدهم كتوالي موج البحر على امتداد مساحة العالم العربيّ تتدفّق بتواتر وثبات وحيويّة تنعش الخلايا الهامدة وتحرّك جذوة النهوض والثورة والانتفاضة. هما ثنائيّ مبدع انصهرت روحاهما في موسيقى فليفل إخوان فأنتجت تراثًا فريدًا من نوعه نادرًا في وجوده. ألهما الحماسة والوطنيّة في لبنان والعالم العربيّ، صاغا مشاعر الأمّة العربيّة ألحان أناشيد ناهضة ومتمرّدة غارت في قلوب اللبنانيّين والعرب وألهبت مشاعرهم الوطنيّة والقوميّة وهذّبت أحاسيسهم الخلقيّة.

( يراجع: كتاب أعلام من بلاد الأرز للأستاذ أنطوان فضّول، الجزء الثالث 2012، الصفحة 182)

 

 

 

ADMIN

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment