التبويبات الأساسية

راجح الخوري طواحين الفساد جريدة النهار تاريخ 6/3/2018

راجح الخوري طواحين الفساد جريدة النهار تاريخ 6/3/2018

• مقالات طواحين الفساد
• راجح الخوري
6/3/2019
دعونا من كل هذا الدوي حول الفساد والإهدار والدموع الغزيرة جداً على المليارات المنهوبة، فقد سبق لمجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" المحترمة ان نشرت في ٤ شباط من العام الماضي، تحقيقاً مفصّلاً على ثماني صفحات كتبته بعثة من محققّيها، أجرت مسحاً مهنيّاً مختصّاً في بيروت، وكانت خلاصته ان معظم السياسيين والفاعليات السياسية والأحزاب نهبوا المليارات وأوقعوا لبنان في ديون بلغت ٨٦ مليار دولار نهاية العام الماضي!
طبعاً لم يتحرك أحد، فمن الذي سيتحرك في غابة الضواري؟
الآن يكاد المواطن اللبناني البائس ان يغرق في عرق الخجل، ليس بسبب المليارات المهدورة فحسب، بل بسبب مسلسل الفضائح المتلاحقة التي تتكشف في الإدارات والمصالح اللبنانية، وقد وصلت ويا للأسف لتتناول أمنيين وعاملين في القضاء، ومن دون قضاء وأمن لا أمل في أي اصلاح!
في لبنان سفارات وسفراء يتابعون ما ينشر عن الفضائح، ويرسلون تقاريرهم الى عواصمهم وبعضها لدول مانحة في "مؤتمر سيدر"، وهو ما قد يصيب بالذهول والإحباط المتحمسين لدعم لبنان. وفي السياق كان من المثير ان تنشر أرقام مذهلة، عن أبواب البعزقة في الدولة الفالتة، فتحت عنوان "الهدر المتجوّل" قرأ اللبنانيون والسفراء طبعاً ان هناك مثلاً ١٢ الف سيارة حكومية بكلفة ١٩٥ ملياراً من الليرات وأنها تكلف الدولة سنوياً ١٧٣ملياراً ثمن محروقات، كما نشرت معلومات صادمة عن موضوع الأمنيين المفصولين للحماية والمواكبة والمرافقة!
لا داعي للدخول في تفاصيل هذه الأرقام التي لم تنشر للمرة الأولى، لكن مصادفة نشرها مع التزامات لبنان حيال "سيدر"، مسألة تثير الخوف من ان يأتي وقت يقول فيه المانحون لماذا نلقي أموالنا ومساعداتنا في بواليع الفساد التي تدمر هذ البلد؟
كيف يمكن الفرنسي ان يفهم ان هناك في لبنان ١٠ عناصر أمنيين لحماية رؤساء الجمهورية السابقين، و٨ عناصر لحماية رؤساء المجالس والحكومات السابقين، ثم تأتي حمايات النواب والوزراء ورجال الدين والقضاة والعسكريين من الرتب العالية. فعلاً كيف يمكن ان يفهم الفرنسي هذا عندما يرى فرنسوا هولاند حاملاً الأكياس وخارجاً وحيداً من السوبر ماركت ولا من معين، وكيف يفهم الألماني هذا وهو يرى أنغيلا ميركل تشتري البطاطا وحيدة ولا من يهتم بها، وكيف يفهم وزير مالية المانيا مسألة المواكبات عندما يركب دراجته الهوائية ويذهب الى مكتبه ليدير أهم اقتصاد أوروبي، وكيف يمكن ان يفهم البلجيكي هذا عندما يرى وزير داخليته واقفاً في الصف أمام المصرف لقبض راتبه؟
أيها السادة الكرام، يمكنكم الضحك على هذه الشعوب اللبنانية الغاشية، ولكن الى متى الضحك على الدول المانحة وتعالوا ساعدونا لله يا محسنين، أولم يتسلل أحد ليقابل السفير بيار دوكين منسق "سيدر"، ويقول له أقرأ سعادتك ما ينشر عن فوضى الإهدار في بيروت؟
هل تعلمون أيها الأكارم ما هو راتب ايمانويل ماكرون؟ إنه ١٦ ألف دولار، وراتب أنغيلا ميركل ١٩ ألف دولار، وراتب تيريزا ماي ١٥ الفاً، وراتب بوتين ١٢ الفاً، وراتب شي جينبينغ ١٦٦٠دولاراً فقط لا غير، وفي بعض إدارات هذه الدولة المفلسة ومصالحها مديرون يقبض الواحد منهم ٣٠ الف دولار شهرياً، ورؤساء مصالح براتب ٢٠ ألف دولار شهرياً، وهناك كثيرون يقبضون ١٠ آلاف دولار ولا يعملون أو يداومون.
كل هذا تفاصيل صغيرة أمام ما قيل ويقال عن السمسرات والسرقات والسطو الفاحش على المال العام، ويحدثونك عن الحرب على الفساد، بما يذكرنا بدون كيشوت وطواحين الهواء، ولكن لعلّ وعسى قبل ان تبتلعهم وتبتلعنا اللجة.

editor1

وُلد المحامي جوزف أنطوان وانيس في بلدة الحدث قضاء بعبدا _ محافظة جبل لبنان _ عام 1978، وتربّى منذ طفولته على حُبّ الوطن والتضحية من أجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية _ كلّيّة الحقوق والعلوم السياسيّة _ الفرع الثاني، وتخرج فيها حاملًا إجازة جامعيّة عام 2001، وحاز في العام 2004 دبلوم دراسات عُليا في القانون الخاصّ من جامعة الحِكمة _ بيروت. محامٍ بالاستئناف، مُنتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، ومشارك في عدد لا يُستهان به من المؤتمرات والندوات الثقافيّة والحقوقيّة اللبنانيّة والدوليّة والمحاضرات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

Related Posts
Comments ( 0 )
Add Comment